“طوفان الأقصى” .. إنتهت المعركة ، ولم تنتهي الحرب 

كتب | حسن البهيشي

 

الحمدلله وحده – صدق وعده – ونصر عبده – وأعز جنده – وهزم الأحزاب وحده .

أسدل الستار عن معركة لم يشهد لها العالم مثيلا من حيث فارق موازين القوى ، و عدم التكافوء – معركة بين الأسلام ، وبين الكفر . الإسلام المتمثل في طائفة من المؤمنين الموحدين المجاهدين المعتزين بدينهم وعقيدتهم ، من أبناء قطاع غزة .. الذين جعلوا من أرواحهم ودمائهم وأبنائهم وأموالهم وبيوتهم فداءا للدين وللأقصى وللأرض والعرض .. لايملكون من العتاد ، إلا الأسلحة – التي هي بدائية الصنع .. و هي غاية ما أستطاعوا أن يعدونه من قوة ، وفق ما أمرهم به ربهم في كتابة الكريم .. ومعها إيمانهم الكبير بالله سبحانه وتعالى ، وثقتهم بنصره عز وجل .. التي كانت هي زادهم ، و مصدر قوتهم وثباتهم وصبرهم .. هذه هي قوة وعتاد الجيش الإسلامي في غزة .
وجيش الكفر المتمثل في إسرائيل ومعها أمريكا والغرب بأكمله ، و بمايملكونه من ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل وأسلحة الهجوم والدفاع ، وأسلحة الجو والبر والبحر وتقنيات أقمار إصطناعية ودعم مالي واقتصادي ولوجستي ومعنوي لامحدود ، وزيارات للرئيس الأمريكي و وزير خارجيته و وزير دفاعه لإسرائيل لاشعارها بالوقوف إلى جانبهم ومساندتهم وعدم التخلي عنهم.. وإضافة إلى ذلك تسخير ترسانة ضخمة من أجهزة الإعلام والتوجيه – بغرض تظليل الرأي العام العالمي بأن إسرائيل هي الضحية ، وهي في حالة دفاع عن نفسها .. ويقف إلى جانب جيش الكفر – جيش النفاق من أنظمة عربية فاسدة خانعة منبطحة ذليلة .. وكلت إليها مهمة عدم السماح بإمداد قطاع غزة بأي نوع من أنواع المساعدة ولو كسرة خبز ، أو شربة ماء .. وتركهم يعانوا أقسى أنواع الحصار و الجوع والعطش والعراء والبرد .. إضافة إلى مايعانونه من آلة الحرب والتدمير والتشريد .. و وكلت إليها مهمة قمع شعوبها من أي تحرك يفضي إلى تأييد أهل غزة – كالتظاهر في الشوارع والمدن ، أو حتى رفع أكف الضراعة والدعاء إلى المولى سبحانه بالنصر والتمكين لأهل غزة .. ويلحق بجيش النفاق – التيارات الدينية – التي تطلق على نفسها – زورا وبهتانا بالسلفية ، كالجامية ، والمدخلية ، وغيرهم .. هذه التيارات التي هي صناعة مشتركة بإمتياز – تم إنشاءها خصيصا لمثل هذه الأهداف – من قبل هذه الأنظمة العربية الفاسدة .. ومن قبل أجهزة إستخبارات عالمية مدربة تدريبا عاليا ، وتكمن مهمتها في توفير مظلة وغطاء ديني وشرعي لهذه الأنظمة العربية الفاسدة المساندة لإسرائيل .. ومهمتها، مهاجمة كل حركات الجهاد الإسلامي ومحاولة تشويه صورة الجهاد ورموزه في فلسطين وغزة من خلال إصدار الفتاوى والخطب والمواعظ التي تكرس الذل والإنبطاح ، و الهوان و الإستسلام للعدو بحجج واهية – أوهى من بيت العنكبوت .. مثل عدم قدرة الإسلام والمسلمين في الوقت الحالي على مواجهة ومجابهة إسرائيل وإمريكا والغرب المتفوق عسكريا وتقنيا وغيرها من الحجج – وبالتالي ترسيخ القبول بأن الاحتلال الصهيوني ، والهيمنة الأمريكية الغربية على العالم الأسلامي – أمر واقع – يستدعي التسليم بكل مشاريع الغرب التي باتت تملى على الأنظمة العربية من أجل الإمتثال لها وتطبيقها شيئا فشيئا.. كالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، وحقوق وحرية المرأة ، و التقارب الديني كالصلاة الإبراهيمية التي اخترعوها مؤخرا و المثلية – زواج الرجل بالرجل ، وغيرها من مشاريع العهر والإنحلال الهدامة التي تستهدف الإسلام والمسلمين ، لكي يسهل بعد ذلك الانقضاض والسيطرة عليهم .. فلا يشك عاقل بعد هذا كله – أن بصمات وأثار الصهيونية العالمية والموساد الإسرائيلي واضحة على هذه التيارت الدينية التي ترفع شعار السلفية كلافتة عريضة تتمترس خلفها قوى الشر و مشاريعها الإجرامية .

هذان هما طرفا معركة طوفان الأقصى ، وحرب غزة ، وهذه ملابساتها وهذه الأجواء التي أحاطت بالمعركة .. فكل التقديرات والمعطيات المادية على الأرض تأكد لجيش الكفر وطابور النفاق المساند له بما لايدع مجالا للشك أن مسألة إنهاء جيش الإسلام الغزاوي المتمثل في حماس وكتائب القسام وحركة الجهاد – ومسحهم من على خارطة الوجود – لن يستغرق إلا بضعة أسابيع .. هذا ما كان يصرح به قادة إسرائيل – بن يمين نتنياهو ، ووزير دفاعه .. ومعهم المرجفون ، والمنافقون من الطابور الخامس من أعداء حماس .

ستة عشر شهرا هو عمر المعركة ، أمطرت خلالها غزة بأطنان من القذائف والمتفجرات التي تفوق ما ألقي على ” هيروشيما ” و ” وناجازاكي ” في اليابان – ابان الحرب العالمية الثانية – بأضعاف مضاعفة – هدمت المنازل وسوت بالأرض على رؤوس ساكنيها .. دمرت البنية التحتية كاملا في قطاع غزة – الماء والكهرباء والمدارس والمشافي .. حاصر الجوع والعطش والمرض والعراء أبناء غزة من كل مكان .. لم يسلم من القصف شي ، حتى مواقع وأبنية الإيواء والنزوح تم تدميرها ، تطايرت جثث الشهداء في كل مكان .. تركت الجثث لتنهشها الكلاب .. عدد الشهداء فاق الأربعون ألفا ، وعدد الجرحى فاق المئة ألف .. فقدت المقاومة رموزها وقادتها الواحد تلو الآخر .. ومع ذلك كله ظلت غزة – العز ، و غزة الشموخ والكبرياء ، شعبا ومقاومة ، شيوخا ونساءا وأطفالا .. صامدة صابرة محتسبة ثابتة راسخة رسوخ الجبال – أبت الإنكسار و الرضوخ والإستسلام .

صدم الكيان الصهيوني و الغرب كاملا ومعه أمريكا والعالم بأسره ، بهذا الثبات الأسطوري وهذه العزة والكبرياء والصمود والتحدي .. وتسلل إليهم اليأس والإحباط ، وخارت قواهم ، وأعلن نتنياهو الإستسلام وجثى على ركبتيه وأذعن – كما توقع أبوعبيدة عند بدء الطوفان – وخضعت إسرائيل ، ومعها أمريكا والغرب – أذلاء مهانين يكسوهم الخزي والعار أمام شعوبهم – واستجابوا بل وأرغموا على القبول بشروط حركة حماس .. وانتصرت حماس ، والمقاومة وشعب غزة .. انتصر الإيمان .. انتصر الإسلام .. انتصرت العقيدة الإسلامية .. انتصر أهل القرءان .. إنتصر المعسكر الإسلامي .. على معسكر الكفر والنفاق .. انتصرت الفئة القليلة المؤمنة المحتسبة .. على آلة الحرب الضخمة .. على تحالف الكفر والنفاق .. على الكثرة المدججة بأفتك أنواع السلاح المدمرة .. على التقنية وعلى التكنلوجيا .. على كل أنواع التفوق العسكري .

إنكسرت شوكت إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر .. وخضعت أمريكا والغرب وانحنى وذل كبريائهم وجبروتهم وغطرستهم وغرورهم .. وأملت حركة حماس عليهم شروطها – مرفوعة الرأس .. عزيزة النفس .. لم تمس كرامتها ، ولاكبريائها ولا أنفتها ولا شموخها بأي أذى .
وقبل وأذعن وخضع أعداء الله للشروط – أهمها :
▪ إنسحاب جيش الإحتلال من قطاع غزة كاملا .
▪ إعادة إعمار كل ما خلفته الحرب من دمار – من جديد .
▪ إدخال عدد ستمائة شاحنة يوميا -تحمل الطعام والدواء والخيام وكل الاحتياجات الضرورية .
▪ إخراج السجناء الفلسطينين وتبييض السجون .
هذا فضلا عن المكاسب والنجاحات الثمينة الأخرى التي حققها انتصار طوفان الأقصى ومن أهمها :
• كسر حاجز الخوف والرهبة السميك في نفوس و أذهان المسلمين والذي نجح الغرب وأمريكا وإسرائيل في بناءه على مدى عشرات السنين – بأنهم قوة عظمى لا تقهر – نجح الطوفان في تحطيمه وكسره إلى الأبد .. ومعه سوف تسقط هيبة ومكانة أمريكا والغرب وإسرائيل ليس في نفوس المسلمين وحدهم بل في نفوس شعوب العالم كله – المتضرر منهم .

• الهجرة العكسية لليهود من إسرائيل والتي روج لها ورغب فيها الصهيانة على مدى السبعين عاما بالعودة إلى أرض الميعاد .. قضى عليها الطوفان .. خلال عام واحد .. وهاجر معها رأس المال والشركات ورجال المال .. بعد أن تيقن لهم بما رأوا أن الفلسطينين لن يتركوهم في أمان ، وأنهم لن يرضوا إلا بتحرير أرضهم .
هذا فضلا عن الرعب والأحباط الذي دب في صفوف الجيش الأسرائيلي لما رأى من شجاعة واستبسال المجاهدين .. وفضلا عن الخسائر المادية والعسكرية وقتل أكثر من ثمانمائة جندي وضابط وإصابة الآلاف ، هذا وفق إحصائياتهم هم الرسمية التي يكذبها الواقع .. وفضلا عن الانقسامات والإستقالات التي حدثت في حكومتهم بسبب – الطوفان .
ومكاسب وثمار ونجاحات الطوفان كثيرة ومتعددة .. ولكن حسبنا ذلك حتى لا نطيل .

وبعد ذلك كله يأتي المرجفون في المدينة من بعض الأصوات النشاز وضيقي الأفق – من بني جلدتنا من أبناء المسلمين .. ليتحفونا بآرائهم واستنتاجاتهم .. بأن النصر الحقيقي هو في سلامة العمران والمباني والمساكن ، وبقاء الحدائق وجمال الشوارع والمتنزهات .. والنصر الحقيقي هو في سلامة والأرواح والأبدان من أي أذى . ومن ثم فليكن ما يكن من الإحتلال .. فليستحوذ ويسيطر على ماتبقى من أراضي .. ولتتوسع المستوطنات على أراضي الفلسطينين ، وعلى مزارعهم .. وليسجن الإحتلال ولينتهك حرائر الفلسطينين .. وليدنس الاحتلال المسجد الأقصى .. ولنستمرئ الذل والهوان و التطبيع .. فليكن وليحدث كل ذلك .. طالما مبانينا قائمة ، و أرواحنا سالمة .. ونأكل ونشرب وننام .. فهذا هو النصر الحقيقي .

وبالتالي ووفق معاييرهم هذه السخيفة ووفق هذا الهراء وهذا السخف وهذا الغباء .. فإن جيش الإحتلال – الذي اعترف قادته بأنفسهم بأنهم هزموا ، وأن الصفقة مذلة لهم – يأتي هؤلاء السخفاء والحمقاء ليخبرونا بأنهم انتصروا ، و أن حركة حماس وأبناء غزة هم الذين انهزموا وخسروا المعركة .. فأي معايير وأي موازين هذه التي يقيسون عليها النصر والهزيمة .

ونحن هنا لن نحيلهم إلا إلى المعيار والميزان و المرجع الذي “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” 42 فصلت .. فاليقرأوا إن شاءوا الآية رقم 24 من سورة التوبة ولينظروا ماهي قيمة المساكن الطيبة – التي يرون أن هدمها وتدميرها هو الهزيمة – إذا ما وضعت في كفة ومحبة الله ورسوله والجهاد في سبيل الله في الكفة الأخرى .. هل ترون لها من وزن ، أو قيمة تذكر .. بل إذا وضعت المساكن الطيبة مع الآباء والأبناء والأزواج والعشيرة بأكملها والتجارة في كفة ، ووضت محبة الله ورسوله و الجهاد في سبيل الله في الكفة الأخرى .. لن ترجح إلا كفة الله ورسوله والجهاد في سبيله .. وليذهب ماسواهم من أعراض الدنيا أدراج الرياح .. وليذهب ما سواهم هباء منثورا . .
﴿ قُلْ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴾ (24)
واقرأوا إن شئتم سورة البروج وانظروا وتدبروا جيدا كيف كانت تضحيات المؤمنين .. وكيف كانوا يلقون في أخاديد أضرمت فيها النيران وهم أحياء .. فهل هذه هزيمة أم نصر في نظركم .. ؟ .. وهل سحرة فرعون عندما قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبوا في جذوع النخل – حينما ءامنوا برب موسى وخالط بشاشة الإيمان قلوبهم .. وقالوا لفرعون ﴿ قَالُوا۟ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ ﴾ (72) طه .

هل هذه النماذج من التضحيات .. تقطيع الأطراف من خلاف ، وإلقاء الأجساد الحية في أخاديد النيران – التي ذكرها القرءان الكريم – هل هذه النماذج انتصرت أم هزمت .. أتحفونا بجوابكم يامن تشفقون على خسائر المباني و الأجساد ؟.

انتصرت غزة وانتصرت حماس – فلاداعي للمكابرة ، وانتهت معركة طوفان الأقصى بهذا النصر العظيم ، ولم تنتهي الحرب طالما لايزال الأقصى تحت قبضة الإحتلال ولن تنتهي الحرب إلا بزوال الإحتلال من على كامل التراب الفلسطيني .. وهذه المعركة هي اللبنة الأولى وهي نواة التحرير ليس لفلسطين وحدها بل لتحرير العالم كله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .

والحمدلله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى