الصمت الرئاسي والحكومي من الوضع المعيشي الكارثي
بقلم أ. د. فضل مكوع
من يتابع المشهد النقابي غير المسبوق في (عدن ،حضرموت ) يتعجب من تلك الحشود الجماهيرية الكبرى ، إذ لأول مرة تكون الوقفات النقابية بالملايين ، وقد عبرت بأسلوب قانوني، وحضاري وشهد لها القاصي والداني ، وكنت أتوقع من قبل أن نعلن الإضراب، وخاصة بعد أن خاطبنا، وناشدنا مرارا، وتكرارا كل الجهات، انقذوا الشعب من هذا الغلاء الجنوني الفاحش، والمتصاعد الذي عصف بالجميع من دون استثناء، وبعد انهيار العملة انهيارا تاما ، ولكن للأسف لم نرَ من يحرِّك ساكنا واحدا. وكل النقابات أعطت فرصة ذهبية لكل السلطات، والجهات المعنية قبل التصعيد الذي وصل اليوم ذروته، فلم يستفد مجلس القيادة الرئاسي، ولا الحكومة من أي فرصة أبدا، وكأن الأمر لا يهمهم، وكنا نتوقع أن يسارعوا، ويتواصلوا، ولو بالهاتف مع قيادة العمل النقابي، لكن للأسف ( لكل امرئ من دهره ماتعوَّدا)، تعوَّدوا على الخنوع والضعف، والتجاهل، واللامبالاة ..
وقد خيَّم على مجلسهم الصمت المحير، والمخيف بالنسبة لهم، ولما بدأ الإضراب العام المتمثل بكل الاتحادات النقابيةً: العمالية ،والجامعية، والمدنية والعسكرية، والمجتمعية،
وبعد تدشين الإضراب بالوقفة الاحتجاجية الكبرى، يوم الأربعاء الموافق الأول من يناير ، والتي اكتظت بها ساحة العروض، وخرجت الجماهير تتدفق بمئات الآلاف من أعضاء النقابات، وأنصارهم، وأسرهم، كنت أتوقع أن يوجِّه رئيس المجلس الرئاسي
أو أحد نوابه، أو رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، خطابا مباشرا يواجه به الجماهير المحتشدة، يخاطب الشعب المكلوم على أمره، ولكن للأسف(كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا ) ابتلينا بسلطات الصم البكم، فلا غرو ولا عجب، أن يبقى الصمت المحير نفسه.
ولهذا واصلنا التصعيد أكثر حدة وعزيمة من سابقه، ونفذّنا المليونية الكبرى يوم الثلاثاء، الموافق 24/يناير2025م ، وجاءث الجماهير من كل صوب، وحدب، وشاهدها القاصي والداني، وهي من أكبر الوقفات الحاشدة في تاريخ عدن، بل هي أكبر وقفة نقابية تمت في الجزيرة العربية بشكل عام، وفي تاريخ اليمن الحديث، والمعاصر بشكلٍ خاص، حينها تأمل الجميع بعد صدور البيان النقابي، وحدد مطالبه اليسيرة، وغير التعجيزية، أن تتخذ المجالس الثلاثة اجتماعاً مشتركاً مع التحالف، ومع قيادات النقابات، وأن يتخذ الاجتماع قرارات إنقاذية مصيرية لهذا الشعب، الذي يعيش الأغلب الأعم منه تحت خط الفقر، ويواجه الإبادة الجماعية من جراء التجويع الممنهج، والمتعمد، ولكن السلاح الوحيد الذي طغى بالنسبة لهم هو سلاح الصمت (فمن تربّى على شيء شاب عليه)، فجميعهم نسوا اليمين الذي أدّوه من أجل حماية الوطن، وخدمة الشعب، وتوفير الخدمات له، وتحسين أوضاعه، والنهوض به، فهكذا كان اليمين بهتانا، وزورا.
لهذا أوجّه رسالتي إلى الذين يوجّهون اللوم، والعتاب على المحتجين، الذين خرجوا بعيدا كل البعد عن السياسة، خرجوا لتحسين الأوضاع للجميع من دون استثناء، وقد ركّزت بيانات النقابات كلها في عدن، وتعز، وحضرموت على توفير الحياة الكريمة، وحدّدت المطالب التي تتلخص بانتظام استلام الراتب نهاية كل شهر، وبضمانات أكيدة، وزيادة الأجور، وتحسين الخدمات، وعودة العملة إلى ما كانت عليه قبل حرب 2015م، والبعض يظن أن هذه الأمور صعبة، ونقولها للملأ ليست صعبة أبداً، فالحلول تكمن في تشغيل الميناء، ومصافي عدن، وتصدير النفط، والغاز، وتوريد الإيرادات كافة إلى البنك المركزي، ومحاربة الفاسدين، وإحالتهم إلى القضاء؛ ليقول كلمته؛ حينها ستعاد للعملة عافيتها، وبإذن الله يترتّب عليها انخفاض تام في الأسعار، وإنقاذ الشعب من هذا الوضع الكارثي المؤلم ، ولكن كل الذي يجري ينطبق عليه المثل (مغني أمام أصنج).
والسؤال الذي يطرح نفسه هل هتافاتنا، وأصواتنا قادرة أن تسمع الأصنج؟ ، فالإجابة بكل تأكيد ستسمعه، بل وسينظر الأعمى، أو من تعامى لمطالبنا .
إذن إلى متى نستمر في التصعيد؟ وهل سيبقى الإضراب إلى ما لا نهاية ؟
إذا تلك الوقفات التاريخية الكبرى لم تؤثر فيهم، فما هي المعالجة؟ أسئلة كثيرة، ومتعددة فكل شيءٍ يمكن أن يحدث، وبالمقابل كل شيءٍ يمكن أن يقال، فإذا السلطات الثلاث لم تأخذ المطالب النقابية التي تضمنتها البيانات الصادرة عن الوقفات، فإنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن المعاناة كافة، وأن النقابات ستبقى ماضية حتى تتحقق أهدافها، ومطالبها،
مع العلم أن وقفتنا القادمة لم تكن نقابية فحسب، بل سينضم إليها كل فئات الشعب، وستكون في يوم واحد، وفي وقت واحد ، وستخرج الجماهير، وستكون الوقفة مصيرية، واللجنة العليا للتصعيد النقابي في حالة انعقاد دائم، ونطمئن الجميع أن مطالب النقابات ستتحقق بإذن الله تعالى، أو ننتزعها انتزاعا، أو سنقدم على خيارات ذات فاعلية أكبر مدروسة، وهادفة؛ لإنقاذ المجتمع من كابوس الحرب، والتجويع، والفساد، وقبل أن نصل إلى هذه المحطة، نناشد السلطات الثلاث الرئاسية، والتشريعية، والحكومية، أن يختاروا إما استمرار التجويع، والفساد ، أو يختاروا الشعب، وينقذوه من هذا الوضع الكارثي، ولكن السؤال المهم، الذي يجب أن نطرحه، هل عندكم الاستعداد أن تتحرّوا من الصمت المريب والمخزي؟ وهل تكسرون جدار الصمت؟ هذه الأسئلة إجابتها في ذاكرتكم، إن كانت هناك عقول .
وعلى الجميع أن يعلم أن الصمت في ظل هذه التحديات الخطيرة، والوضع الاقتصادي المتردي، ماهو إلا من ضعف، وخنوع، وهشاشة القائمين على الأمر .
نصيحة أخيرة للجميع، الذين وجهنا خطابنا إليهم أن يتقوا الله في هذا الشعب، وأن يقوموا بواجبهم..
ورسالتي الأخيرة أرسلها إلى الإخوة الأشقاء في دول الخليج العربي، أقولها لكم، وبكل صدق، وأمانة، لا تراهنوا على الضعفاء، ولا على الخونة، ولا على المنافقين، فأرجو أن يكون رهانكم على الشعب، فهو العمق الاستراتيجي لكم، ولم تكن لديه أطماع أبداً، فدينه، وإيمانه، وأصالته، وطبعه، وحضارته، وثقافته، جعلته محباً لأمته، وجيرانه، ومحافظا على وشائج الدم، والقرپى، وتطلعات الأمة.
ورسالتي الأخيرة إلى النقابات كافة، في كل المحافظات ، والجامعات ، عليكم أن تحافظوا على الاصطفاف النقابي، وأن نبقى على قلب رجل واحد ، وقد حان لنا أن ندعو كل القوى الوطنية، والشريفة إلى مؤازرة النقابات، ودعمها المادي، والمعنوي؛ حتى تحقق طموحات هذا الشعب، فبالصبر، والثبات، والتعاضد تتحقق المطالب جميعها بعون الله سبحانه وتعالى.