لأنه رحل !!

 

كتب/ناصر توفيق

ربع قرن ويزيد سنوات ، مرت على رحيل الحبيب عمر الجاوي ، وصاحب أشهر وأخطر القضايا الوطنية ، وصاحب حقوق الإنسان ، والمناضل من أجل مجتمع مدني ، يحترم فيه الإنسان وتصان حقوقة وكرامته .

سنوات طوال كالدهر ، على رحيل أشهر عنيد وطني ، وصاحب أجمل أسلوب في الخطابه ، وصاحب أجمل ضحكة ، وسخرية هادفة .

سنوات طوال كالدهر ، مرت على أشهر المتعففين وأشهر المتسامحين ، وأكثر الناس فدائية ، وأجملهم مصاحبه ، وأحب الناس إلى الناس ، والأب الروحي لأدباء الوطن.

سنوات طوال كالدهر ، وصمت تاريخياً السياسي بالبلاهه و البلاده ، بعد أن كان يفور ويمور بقدرة رجل وأحد تمحور حوله أكبر اصطفاف وطني معارض في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ، رجل كان قلب المعارضة ولسانها وضميرها وجزءاً أصيلاً من تاريخها وعنوانها الوطني وعنفوانها ، بعد تاريخ من الأختباء والركود والتمسح بأركان الأنظمة ، وبرحلية تكررت الحدوثه ” عادت حليمة إلى لعادتها القديمة ”

سنوات طوال كالدهر ، مات فيها الحلم بغد أفضل والقادم أجمل والمستقبل أكثر إشراقاً وبأنسان أكثر فدائيه . وأصبح الناس أكثر واقعية ولسان حالهم يكرر صباح مساء ، ” يد لا تقدر عليها بوسها ” ورجولتهم تشكلها يومياً مثل سئ ” إذا يدك تحت الحجر جرها بالبصر ”
وفلسفتهم في الحياة ” سلطان غشوم ولا فتنه تدوم ”

سنوات طوال كالدهر ، من رحيل الحبيب عمر ، أصبح خلالها الطفيليون أصحاب نظام أو معلقين بنظام ، أصبحوا أصحاب شهوات وأماني وأحلام في السيطرة و الحلم و الشراء . وأصبح الفاعلون التاريخيون ( وهم أغلبية الناس ) يتمايلون لكسب أسباب عيش هي إلى الكفاف أقرب . وأصبح ضمير الأمة ووعيها التاريخي و ذاكرتها خدم نظام ومبرري سياسيات وأصحاب أمنيات للالتحاق بنظام يلحقهم بطبقات المجتمع العليا حتى وإن كانت بعضا من تنويعات الجهل والجهاله وعصابات القتل ، وأكثر الناس سفاهة وتنطيعاً .

سنوات طوال كالدهر ، تحول فيها الوطن الذي خرج من أقصاه إلى أقصاه في مسيرات للحلم بصناعة اليمن الحديث والحالم بالإسهام مرة أخرى في صناعة التاريخ إلى مزرعة للتدجين !!
وبعد أن كان مقال في جريدة يخلق أصطفافاً وطنياً ، أو اختلافا في الرأي أو خلافاً ، أصبحت الأغلبية ابوافا لنظام حكم هو إلى الهمجية أقرب بسلوك للصوص ألصق. فقط لأنه الرجل الذي حمل الحلم وباح به وخلق أصطفافات حوله وتحمل من أجله الكثير ، رحل بحلمه عنا و عدنا جميعاً إلى مرحلة القطيع مرة أخرى . فقط لأنه الرجل كان يشكل جريدة ويشكل حزباً ويمثل قطاعا شعبياً مهماً.

سنوات طوال كالدهر – كان الرجل معارضاً حيوياً وفاعلاً وعاقلا للنظام و القانون – وكان النظام يستمد منه جوده وعنوانه المدني – والنظام هنا ( الرجل الأوحد فيه ) . وكان الرجلان لاعبين رئيسيين في صياغة حيوية سياسية عنوانها ( حكومة ومعارضة ) ـ وكانا الأوحديين القادريين على التعبير عن متطلبات النظام بكل تشعباته، و المعارضه بكل مفارقاتها وأحلامها .. كان الرجلان عنواناً لحيوية سياسية هما قطباها .. فكان رحيل عمر بالمقابل ترحيلا لحيوية ومدنية النظام ( كتله أو فرداً ) إلى أجل غير مسمى

عانى الناس خلال السنوات الأخيرة كثيراً من المهانه وكثيراً من إهدار الحق المدني ، وكثيراً من الفاقه والعوز ، وكثيراً من إهدار ماء الوجه. ولم يحرك أحد ساكناً ، ولم يحتج ولم يدفع أحد ، الناس إلى الأحتجاج ورفع الصوت. وأصبح المجتمع بين ليلة وضحاها سادة وعبيد/ سفهاء ومعوزين/ أغنياء بالبركة وفقراء بالضرورة ، أصحاب نظام أو خدم نظام. وأصبح الخطاب الموجه للناس – وفي هذا الجو الأكثر مأساوية – فأرتفعت الأصوات التي تعلي بالناس ضرورة إطاعة ولي الأمر ، أو تحول الخطاب إلى مجرد عيون حمراء تحذر الناس حتى من مجرد الحديث الخافت عن سادية النظام وقمع الحكومة وناهبي المال العام ، والمنح الدراسة

حكومة فاشلة تجبر الناس على الجلوس أياما بلياليها أمام نوافذ الصرافين أملا في الحصول على حق ، تصر الحكومة على أنه هبة منها تعطيه متى شاءت وتمنعه متى شاءت !!

أرامل وعجزه وأيتام وفتيات في عمر الزهور – حولتهم الحاجة – إلى متسولين وأشباح وبائعي متعة حرام لقاء ما يمكن أن يملأ المعدة ويسكت بكاء وأجتياح الأطفال.

حكومة أجبرت ضمير وعقل وروح الشعب على التحول إلى مجرد أبواق وبائعي كلام ومروجين لكل أشكال الزندقة السياسة و إجازة أكل المال العام .. و حولتهم إلى كائنات هامشيه نهمه تسعى وبأي شكل اللحاق بناهبي المال العام ، وهم على قفاء من يشيل ويشار لهم بملايين الدولارات.

هناك أحزاب و مؤسسات حكم مدني ، مصابه بالسكته الدماغية .. فقط لأن الأستاذ عمر الجاوي البطل ، والغائر على سيادة الوطن وكرامة شعبة .. لأنه قد رحل !!

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى