قضية النازحين الأفارقة بين التعاطف الإنساني والهواجس الأمنية والصحية

بقلم : عزيز أبو وائل
شهدت الساحة المحلية في الأيام القليلة الماضية عودة ملف النازحين الأفارقة إلى الواجهة، بعد حادثة مأساوية هزّت الرأي العام المحلي والإقليمي. فقد غرق مركب بحري قبالة سواحل محافظة أبين، كان على متنه قرابة 200 مهاجر غير شرعي من جنسيات إفريقية مختلفة، لقوا حتفهم جميعاً في تلك المأساة المروعة. ولم تتمكن فرق الإنقاذ سوى من انتشال أقل من نصف الجثث، بينما ابتلع البحر البقية في مشهد مأساوي يعكس قسوة الرحلة ومخاطرها.
هذه الكارثة كانت الشرارة التي دفعت العميد أبو مشعل الكازمي، مدير أمن محافظة أبين، إلى كسر صمته وتقديم استقالته من منصبه. وفي تصريحاته، أشار الكازمي إلى أن ما يجري ليس مجرد تدفق عفوي للمهاجرين، بل هو – بحسب تعبيره – جزء من خطة ممنهجة لإغراق المحافظة في مستنقع من الأزمات المتشابكة، على المستويات الأمنية والصحية والسياسية.
الكازمي أوضح أن مسار النزوح الإفريقي بات يوجَّه بشكل متعمد نحو مناطق محددة في المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها محافظة أبين، التي تحولت إلى محطة استقبال أولية لهؤلاء المهاجرين قبل نقلهم إلى مناطق أخرى، في إطار مسارات يُعتقد أنها مُعدة مسبقاً. ويرى بعض المراقبين أن الأمر قد يتجاوز البعد الإنساني، ليشمل أهدافاً مرتبطة بتغيير التوازنات الديمغرافية، أو حتى استغلال هؤلاء النازحين في أنشطة غير مشروعة.
وأبدى مدير أمن أبين المستقيل استغرابه مما وصفه بـ “التراخي المقلق” في تعامل السلطات الأمنية – سواء التابعة للحكومة الشرعية أو المجلس الانتقالي بل وحتى التحالف العربي – مع هذه الظاهرة، رغم ما تحمله من تهديدات مباشرة للأمن القومي، إضافة إلى المخاطر الصحية الناجمة عن انتقال أوبئة وأمراض فتاكة. وأشار إلى أن تحركات المهاجرين بحرية داخل المناطق التي يتواجدون فيها، وإقامتهم علاقات اجتماعية – ربما يكون بعضها حتى خارج الإطار المشروع – قد يؤدي على المدى البعيد إلى تغييرات جذرية في التركيبة السكانية، ويخلق تحديات جديدة أمام السلطات الرسمية والمجتمع ككل .
ويرى خبراء أن المعضلة تكمن في الموازنة بين الواجب الإنساني في التعامل مع ضحايا الحروب والمجاعات في إفريقيا، وبين ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية صارمة لحماية المجتمع من المخاطر المحتملة. وتشمل هذه الإجراءات تعزيز الرقابة على السواحل، وتخصيص مراكز استقبال تخضع لإشراف صحي وأمني متكامل، إلى جانب التعاون مع المنظمات الدولية لإيجاد حلول دائمة وآمنة لهؤلاء المهاجرين، بما يحترم حقوقهم ويصون في الوقت ذاته استقرار البلاد.
إن مأساة مركب أبين لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل جرس إنذار يفرض على جميع الأطراف – محلياً وإقليمياً ودولياً – إعادة النظر في طريقة التعاطي مع ملف النزوح الإفريقي، بعيداً عن التساهل الذي قد يدفع هذا البلد ، المثقل أصلاً بالصراعات، إلى مواجهة أزمات مركبة أكثر تعقيداً وخطورة.
”””””””””””””””””””






