روسيا و«الناتو».. توازن هش تحت ظلال الزر النووي

أبين ميديا/ متابعات /أمجد عرار
أخيراً وبعد أخذ ورد، وبعد ضغط من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلنت دول حلف الناتو عن خطط لرفع إنفاقها الدفاعي بنسبة 5 % بحلول عام 2035، لمواجهة ما يصفونه بـ«التهديد الروسي».
في ختام قمتهم الأخيرة في لاهاي، الأربعاء الماضي، اعتبر قادة الحلف أن هذا الالتزام المالي غير المسبوق، يهدف إلى تعزيز الجاهزية الدفاعية والردع في مواجهة «التهديد الروسي طويل الأمد، والتهديد المستمر للإرهاب»، حسب تعبير «إعلان لاهاي».
الأمين العام للحلف، مارك روته، قال إن هذا الاتفاق يمثل «قفزة نوعية»، وينقل الحلف من مرحلة التخطيط إلى «التنفيذ العملي»، مشيراً إلى أن العمل سيبدأ فوراً لخفض الحواجز أمام التعاون الصناعي الدفاعي عبر الأطلسي وخلق ملايين الوظائف الجديدة.
لكن رغم هذا الإعلان، تبرز مفارقة استراتيجية تستحق التوقف: ماذا لو ضاعف الحلف هذا الإنفاق بنسبة 100 %، وتفوّق على روسيا تقليدياً بعشرة أضعاف؟ هل تسمح روسيا النووية لهذا التفوق أن يهزمها وهي تملك الترسانة النووية الأكبر في العالم؟
الردع النووي
الواقع أن التوازن الاستراتيجي بين روسيا والغرب لا يقاس بعدد الدبابات أو حجم الميزانيات، بل بقدرة كل طرف على إلحاق دمار شامل بالآخر.
وكثيراً ما ردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن السلاح النووي الروسي ليس مجرد ورقة ضغط، ولم يجر تصنيعه للمباهاة، بل هو صمام أمان وجودي. وقد أشار في سبتمبر 2022، على نحو صريح بقوله: «إذا تعرّضت روسيا لتهديد وجودي، فإننا سنستخدم كل الوسائل المتاحة، وهذه ليست خدعة».
في السياق نفسه، قال الجنرال الأمريكي المتقاعد بن هودجز، القائد السابق للقوات الأمريكية في أوروبا، إن روسيا ترى أن التهديد التقليدي الهائل قد يبرر لديها اللجوء المبكر للسلاح النووي في حال وُضع وجودها على المحك.
تناقض غربي
في المقابل، لا تخلو اللغة الغربية من تناقض صارخ، فمن جهة، يقول وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس إن «روسيا فقدت أكثر من نصف دباباتها في أوكرانيا، وهي في أسوأ وضع عسكري منذ عقود»، ومن جهة أخرى، تحذّر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن «الخطر الروسي لم يتراجع، بل أصبح أكثر مباشرة وتهوراً، ويجب الاستعداد لمواجهة محتملة خلال السنوات الخمس المقبلة».
برأي مراقبين، يخدم هذا التباين في الخطاب، أهدافاً سياسية مزدوجة، فهو من ناحية يريد تصوير روسيا على أنها منهكة لتبرير الاستمرار في دعم أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تضخيم خطرها لتبرير رفع ميزانيات الدفاع الأوروبي، وتسريع التسلح.
ويرى الخبير في شؤون الردع النووي بجامعة كولومبيا، ماثيو كرونغ، أن «أي تفوق تقليدي لحلف الناتو لن يكون كافياً لدحر روسيا ما دامت تحتفظ بترسانة نووية ضخمة، لأن المنطق السائد في الاستراتيجية الروسية هو: إذا خسرنا كل شيء، فليخسر الجميع».
المجازفة النووية
أما الباحث الفرنسي برونو تيرتريه، نائب مدير مؤسسة البحوث الاستراتيجية (FRS)، فيوضح أن روسيا لا تفكر بمنطق الحرب التقليدية النزيهة، بل بمنطق «المجازفة النووية» التي تشل خصمها وتمنعه من الاستمرار.
بالمحصلة، الغرب يرى أن روسيا قد تكون أضعف ميدانياً، لكنها لا تزال «دباً جريحاً» لا يمكن محاصرته من دون عواقب كارثية، ولهذا فإن تفوق الناتو العسكري لا يترجم إلى نصر مضمون، بل إلى توازن هش تحت ظلال الزر النووي.
ويبقى أن الصراع الروسي الناتوي الجاري حالياً، وبخاصة منذ بدء حرب أوكرانيا، بمثابة إعادة صياغة لمعادلة الحرب الباردة، المتمثلة في تصعيد سباق التسلح، ورفع مستوى التشدد في الخطاب السياسي والضخ الإعلامي، بغية «الحفاظ على الردع»، لكن في الحقيقة، الكل يمشي فوق حبل رفيع مشدود.
وفي زمن السلاح النووي، كل من يسعى للنصر الكامل، إنما يسير نحو النهاية المدمرة للجميع.








