صالح الشعملي: ربان في مهب رياح الجحود و الخذلان..!

  • محمد العولقي
  • أكثر من شهر و الشارع الجنوبي لا زال يعيش مأساة اللواء الركن (صالح بن صالح الشعملي)، أينما ذهبت في عدن أو خارجها تسمع حديثا مؤلما حول صحة هذا الرجل الذي يقدره شعبه تعاطفا و تتجاهله قياداته جحودا.
  • شهر أو يزيد و الكلام عن تدهور صحة (الشعملي) يتنامى، و قوده ساحات منتديات و وسائل تواصل اجتماعي، لكن رغم ما تحظى به صحة (الشعملي) من تعاطف شعبي غير مسبوق نجد القيادات السياسية تتعامل مع معاناة الرجل المرضية بأذن من طين و أخرى من عجين.
  • اللواء الركن (صالح بن صالح الشعملي) ليس رجلا عاديا حتى يتوارى في الظل دون ضجيج إعلامي، و ليس سياسيا عاديا دفع به عقوق الأصدقاء إلى محاكاة رهين المحبسين، و ليس رياضيا عاديا يمكنه الانزواء بمحنته و يصبح أثرا بعد عين، إنه نوعية وطنية انقرضت، كلما يئن تتداعى له سائر أعضاء وطنه بالسهر و الحمى.
  • لهذا الرجل أقمار بوجوه مختلفة، كل قمر أجمل من الآخر، و مثله فلتة زمنية نادرة لا تتكرر كثيرا، و لو أن هذا (القيدوم) في وطن آخر غير اليمن (التعيس)، لصار بالنسبة لشعبة في مكانة بيليه و مارادونا، لكن من يقرأ لحكوماتنا المتعاقبة طلاسم الفلتات النادرة؟
  • ليس (صالح الشعملي) من يستعطف السياسيين بالحديث عن مأساته مع المرض، و لا من طهارته أن يروج على لسانه لظروفه المعيشية الصعبة، ليس من جسارته أن يتوسل لذوي القربى، لكنه مضطر وسط عواصف أزمته و توهج مرضه أن يعدد الأصدقاء المخلصين في النوائب رغم قلتهم، فتتحول الغصة في حلقه إلى صرخة تاريخ طويل يحتضر.
  • لم تكن دموع (الشعملي) التي ذرفها في نصيف الليل حيث لا شاهد سوى رب الوجود سوى صفعة على خد دولة مترهلة لا تبقى عاصفتها غير الأخلاقية و لا تذر.
  • و لم تكن صرخات الألم التي تعتصر قلبه و تنهك ملامحه كافية لكي يتحرك المسؤولون لإنهاء معاناته بالقليل مما يستحق، لكنه زمن الغربان و البوم و الجراد حيث هانت فيه صحة (الشعملي) على قيادات فسفورية لا تساوي حتى ظفره.
  • كان (الشعملي) متفائلا مع بداية أزمته المرضية التي تطاول ليلها على جسده، كان يتمسك ببعض الأمل و يظن أن أصدقاء الليلة الظلماء سيلبون نداء بدرهم المفتقد، كان يظن أن هناك قلوبا تنبض بالوفاء و مشاعر تهتز لمتاعبه، لكن شمعة الأمل انطفأت في قلبه عندما وجد نفسه مثل السيف فردا، بعد أن تفرق من حواليه الذين أحبهم و كانوا يدعون أنهم صمام أمانه.
  • و بقدر سمعة (الشعملي) الإدارية و القيادية التي جعلته يتبوأ مكانة في قلوب الناس لا يدانيه فيها غيره، بقدر ما كان التجاهل الرسمي لمأساته المرضية صدمة للبسطاء الذين يرون في (الشعملي) وطنا كامل السيادة.
  • خدمته لوطنه أكبر سنا من عمر رئيس الحكومة، و عطاؤه الطويل يوازي عمر وطن نفض غبار المستعمر و كان أحد حماته الميامين، و مناصبه المتنوعة في السلكين العسكري و الرياضي تصلح لأن تشكل وعي أمة و ثقافة شعب و عراقة وطن.
  • على يديه ولد اتحاد الشرطة الرياضي و تربى و ترعرع في عزه، و نما و شب عن الطوق داخل قفصه الصدري، كان يقاسمه ماءه و هواءه و غذاءه، و عن طريق فلسفته الإدارية المحترفة كبر محاق الشرطة إلى أن أصبح بدرا مكتملا يسر الناظرين.
  • ليس ثمة رجل قيادي يمارس عمله بشاعرية عاشق و حنان أب مثلما كان يفعل (صالح الشعملي)، و ليس هناك من مربي فاضل صقل الأجيال و رعاها مثلما فعل هذا الرجل الغني عن التعريف.
  • (صالح الشعملي) لم يكن مجرد رجل (ميري) صارم و منضبط في عمله و حازم في قراراته فقط، لكنه كان أسرة متكاملة الأركان من دخل داره خرج منه و قد صار منتجا.
  • لم التق يوما باللواء الركن صالح الشعملي، لكنه حاضر في ذهني و وجداني، يبسط مساحة شاسعة على قلبي، و لطالما كانت تجربته العملية الرائدة مصدر إلهام لي و لغيري.
  • و شخصية وطنية مرصعة بالتاريخ مثل (صالح الشعملي) يستحق أن تكون مادة دراسية في مناهجنا، ليس لأن بطلها جنوبي عاش رحلة مخاض نضالية قاسية فقط، و لكن لأنه اقتحم معاقل الحياة نفسها و اقتلع النصر فيها بكل تجليات الكفاح و بكل ما أوتي من صبر طويل.
  • و لم تكن مشكلة (الشعملي) مع الحياة تقتصر على بلوغ الأماني، لكنها كانت في الوسائل التي استخدمها طوال مشواره لبلوغ قمة المجد.
  • لقد آمن (صالح الشعملي) بعقليته الفذة و إنسانيته السمحاء أن مفتاح النجاح مع تقلبات الحياة يكمن في أمرين : أولهما: أن تتفادى الكذب بكل ألوانه، و ثانيهما: أن تسعى بأخلاقك و مثابرتك و عملك إلى ألا تخيب ظن الناس الذين وثقوا بك و حملوك بأكفهم و حناجرهم إلى مركز صناعة القرار.
  • و ربان عملاق مثل (صالح الشعملي) كفيل بأن تبقى سيرته الذاتية بلسما تداوي أوجاعه، فعندما تحين لحظة الغروب يا رفاق الليلة الظلماء لن تروا شمس (الشعملي) تشرق على فيافي و صحراء قلوبكم المتصحرة، سيكون التاريخ قد خلده، مدونا جزاء سنمار الذي ناله على أيدي ذوي القربى.
  • و عذرا أيها القيدوم (صالح الشعملي) مثلي لا يملك من حطام الدنيا سوى تقديرا كبيرا لك، فهل يكفي أن يكون حبنا تقديرنا لك لقاح و مصل نصرك على مرض ساقط وضيع لا أخلاق له ينهش لحمك بلا رحمة؟
  • نقلا عن صحيفة الأيام الورقية
مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى