المناطقية والداء الجنوبي العضال

محمد ناصر العولقي

قبل مقتل الرئيس سالم ربيع علي ( سالمين) في25 يونيو 1978م كان الحكم وأدوات القوة في الجنوب موزعة بشكل لا بأس به بين أيدي مناطق جنوبية عديدة وفضلا عن ذلك فإن السطوة والكلمة الأولى لم تكن خاضعة لسؤال الانتماء المناطقي للكادر القيادي بل لسؤال الانتماء الطبقي البروليتاري والأيدلوجي والسياسي بطبيعة الحال ؛ فكان يصعب على القيادي التعبير عن أي شكل من أشكال التعاطف أو التفاخر الذي يمكن تفسيره وتصنيفه بأنه نابع من تأثير انتمائه المناطقي بل أن القيادات كانت تبالغ في التنصل من تقديم خدمات لمناطقها وأبناء مناطقها وأقاربها خوفا من تهمة الرجعية والقبلية والمناطقية .
وبعد مقتل سالمين ظهر على أرض الواقع الفعلي الفرز والاصطفاف المناطقي والقروي فيما استمر وبشكل أكثر اتساعا وأعلى نبرة صوت الأيدلوجيا والخطاب الطبقي البروليتاري وتجذر منهجيا بتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني ؛ فكان أن تم إقصاء خنفر وجزء من المنطقة الوسطى بأبين وشبوة وبرز بشكل واضح دور الضالع ويافع ودثينة والحجرية كمناطق نفوذ تمتلك الحكم وأدوات القوة في الجنوب الى أن جاء الدور على عبدالفتاح إسماعيل بعد عامين من مقتل سالمين فخرجت الحجرية من دائرة النفوذ ومعها جزء من يافع .
وفي يناير 1986م انفجر الصراع بين القطبين الرئيسين في الحكم ( الضالع ودثينة) الذي انتهى بتفرد الضالع مع حلفاء لها ( يافع والحجرية وردفان ) وخروج دثينة وحلفاء لها ( شبوة وعدن وخنفر ) من منظومة الحكم والسيطرة ثم ما لبث أن يلحق بهم في مايو عام 1990م جزء من يافع والحجرية .
وفي عام 1994م تجددت لعبة الإزاحة والإحلال فأزيحت الضالع وردفان ومن تبقى من يافع لصالح استعادة دثينة وأبين عموما وبعض من شبوة لنفوذها في الحكم والسيطرة في الجنوب مع تلاشي خطاب الأيدلوجيا ونبرة الصوت الطبقي البروليتاريا وظهور جلي لخطاب توازنات القوة والنفوذ ونبرة صوت التراتب القبلي والاجتماعي .
إن هذا الاستعراض السريع لتاريخ الصراع على السلطة والنفوذ في الجنوب ليس القصد منه سرد نتائج الفوز والخسارة أو التذكير لمجرد التذكير بماضٍ يزعم الجميع أن الجنوب قد تجاوزه وقفز عليه بل هو استعراض ينبغي أن لا ننساه ولا نغفل عنه عندما نريد فهم وتفسير ما نراه ونلمسه من شحن وتعبئة وتخندق مناطقي مايزال يمارس في الساحة الجنوبية .
ولا يمكن في حال من الأحوال أن ينتهي جدل الاستحواذ والتهميش والاقصاء ذي الخلفية المناطقية في الجنوب إلا بالاعتراف بأن هناك نسقا من الصراع القديم مايزال هو الغالب والمهيمن والمحرك لهذا الجدل ومهما حاولنا السكوت عنه والقفز عليه بدون مساءلة حقيقية لنتائجه السابقة ومعالجتها بصدق وشفافية وإنصاف فإننا سنفشل .
ولن يتعافى الجنوب من إخفاقاته وصراعاته إلا إذا استوعب قياداته ونخبه وجماهيره أسبابها وامتلكوا الشجاعة والقناعة لمواجهتها ووضع الحلول الناجعة لها .
وعشية المشاورات والمساعي والجهود التي توحي بترتيبات للتسوية في اليمن وبدء مسار جديد للصراع هو صراع المفاوضات والحجج والاصطفاف فإن الجنوب اليوم في مفترق طرق فإما أن يصطف معا ويتنازل الجنوبيون لبعضهم البعض ويتخندقوا معا لاستعادة دولتهم أو يواصلوا إرث الكيد والاستحواذ والاقصاء والتهميش ويسمحوا لخصومهم بالنفاذ من هذه الثغرة لتشتيت صوتهم وضياع فرصة الخلاص من هيمنة الشمال .

  • ملخص موضوع بحثي حول جدلية الإزاحة والإحلال داء الجنوب العضال
مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى