دور الدراما المصرية في صناعة الوعي العربي
أبين ميديا
كتب ــــ سالم العوسجي
تلعب الفنون بشكل عام دورا هاما في صناعة وتشكل الوعي الإنساني وتغذية الميول وتنمية القدرات وكشف وتعرية السوءات وإبراز الحسنات في أي مجتمع تتناوله، وهي كذلك في وطننا العربي وكون الدراما المصرية هي الأكثر شيوعا في الوطن العربي والأكثر تأثيرا أحببت تسليط بعض الضوء حولها لاسيما ونحن هنا في اليمن قد أخذنا من المجتمع المصري الشيء الكثير حتى من لهجته بفعل كثرة مانشاهده من الفن المصري غناء كان أو تمثيل.
فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نشاهد الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والبرامج المصرية بشكل عام، ومع كل عمل نشاهده هناك فكرة أو أفكار تغرس في الذهن تلقائياً، ويميل الفرد إلى تجربتها أو تطبيقها في محيطه ومجتمعه اقتداءً بمن تأثر بهم في هذا العمل أو ذاك، وكل عمل من هذه الأعمال به الأفكار السلبية والإيجابية التي جاهد فريق هذا العمل لإبرازها للناس، وهنا يبرز دور الأسرة والمجتمع في سريان تلك الأفكار أو موتها في ذهن المتلقي قبل أن يغذيها بالتقليد الأعمى وينشرها في محيطه، فحينما تكون الأسرة لاهية عن الأبناء والمجتمع متقبل وساكت عن الخطأ والنظام والقانون ضائع تجد الأفكار السلبية طريها للانتشار بين أوساط المجتمع بطريقة مباشرة من المصدر أومن الأقران، وغالباً ماتلفت الأفكار السلبية الأنظار ولا أدري أ هي الغريزة البشرية أم هشاشة المجتمعات العربية.
فتلك الأعمال لها أكثر من وجهة تصب فيها فمنها ماصنع لإبراز حقائق تاريخية تتصل بالدين والتاريخ العربي الإسلامي ومنها ماصنع لتسلية المشاهد بمواقف مضحكة تحمل أحيانا في طياتها رسائل توعوية ومنها ماصنع للشباك بغرض الربح بمضامين هابطة وأفكار في أغلبها سلبية وهناك اعمال تتناول العلاقات الإنسانية وفق مايدور في أزقة وحواري مصر وبيوتها وفللها وبصفة عامة جاء أغلب هذه الأعمال إن لم أقل كلها للتبصير وفق قول الشاعر أبي فراس الحمداني «عرفت الشر لا للشر لكن لتوخيهِ ~ ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيهِ» فهي تبين أعمال حسنة وسلوك جميل ليتمثله الفرد وأعمال خاطئة وسلوك سيئ حتى يتجنبه الفرد ويحذر الوقوع فيه لكن ماحدث ويحدث هو عكس ذلك تماماً، حيث تمثَّل بعض المتلقيين السلوك السيئ ونشروه بين أوساطهم نظراً لغياب الرقابة الأسرية ومبدئ الثواب والعقاب والعدالة الإجتماعية فشاعت الجريمة كما عرفناها بالسينما المصرية وأحياناً بنفس أدواتها في هذا العمل أو ذاك، وشاع الفساد واستغلال المناصب والنفوذ كما عُرض لنا عبر التلفاز بالأمس وعبره وعبر المحمول وغيره اليوم فتعلَّم أبناؤنا الأخلاق القبيحة والسلوك السيئ حتى مع أهاليهم وفي مدارسهم.
وهذا الأمر يذكرني بقصة مفادها أنه تم منع تصنيع الخمور المحلية وبيعها للناس في بلد عربي وقامت الشرطة بكثير من المداهمات لأوكار من يصنعون ذلك العمل فعاش المتعاطون أياما عصيبة وفي صبيحة يوم جمعة جاء رجل إلى إمام المسجد وأخبره أن فلان يصنع ذلك الشيء والشرطة لم تدري به، فقام الإمام وخطب بالناس في صلاة الجمعة وأثنى على ماقامت به الشرطة ونوه إلى أن فلان في محل كذا مازال يصنع الخمر ويبيعه فما أن سمع اللذين يشربونه كلام الإمام حتى انطلقوا هرولة وركضا إلى بيت فلان صانع الخمر.
الشاهد من القصة إن التبصير بالسلوك السيئ وطرقه كأساليب النصب والاحتيال والقتل والسرقة وشرب الخمور وتعاطي المخدرات وترويجها واستخدام الأطفال للتسول وتغليب المصالح الشخصية والأطماع على المصالح العامة ونبذ الباطل وتحقيق الأماني باساليب غير مشروعة وماإلى ذلك من السلوك القبيح والضار نتجت عنه نتائج سلبية مكنت ضعاف النفوس من المتلقيين من أدواته وبصَّرتهم بطرق تنفيذه كما بصَّر إمام المسجد السكارى بطريق بائع الخمر دون قصد.
وكما أسلفت إن كل المجتمعات العربية تشاهد الدراما المصرية وتتأثر بها ومنها من تتأثر سلباً ومنها من تتأثر إيجاباً، فما الذي يحكم ذلك التأثر؟
من وجهة نظري إن تأثر المجتمعات سلباً بما يشاهدونه عبر التلفاز أو النت محكومٌ بجدية تلك المجتمعات وصرامة قوانيها ودقة تنفيذها لتلك القوانين مع الكل ودون استثناء، فالمجتمعات الهشة والتي تعيش حالة طوارئ أو في مرحلة التعافي هي المجتمعات التي يشاع فيها اعتناق وتطبيق الأفكار السلبية نظراً لغياب الرادع القانوني وضعف الوازع الديني ورداءة التعليم، أما المجتمعات التي يسودها القانون ويحترم فيها النظام وتعليمها قوي فهي محصنة من الأفكار السلبية حتى وان تأثر الفرد بما شاهد فخوفه من العقوبة يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقلِّد ماشاهده إلا مع بعض الحالات النادرة جداً.
أما التأثر الإيجابي فهو غير محكوم ولا منظم ولكنه يتلاشئ إذا لم يجد دعم الأسرة والمجتمع لمن قلَّده ويبقى في حالات نادرة عند بعض الأشخاص الذين وافق هواهم إلى حد بعيد، فكما قلت إن الأفكار الإيجابية نادرا مايلتفت إليها المشاهد ويتمثَّلها كونها لاتعطي خبرات ولاتعكس تجارب ممكن استدعاؤها عند الحاجة ولا ترتبط بمواقف حياتية تحتاج إلى إعمال الفكر فيها رغم إنها تُقييم السلوك وتنشر الفضيلة وتوضح الطريق القويم كالكرم والشهامة واللطف وبر الوالدين وإحترام الكبير والعطف على الصغير والإحسان إلى الجار وماشابه ذلك، بينما الأفكار السلبية تأتي بخبراتها وأساليبها وعدتها وعتادها حالما يتطلب الأمر تحقيق غرض سلبي معين فسرعان مايتبادر إلى الذهن مافعله فلان في فلم كذا أو مسلسل كذا عندما واجه موقف مماثل.
وأنا هنا أتكلم عن واقع ملموس نشاهده ونسمع عنه يوميا في مجتمعنا هذا، وشيوع ظواهر سلبية مستقاه من الدراما المصرية لم نكن نعرفها زمن القناة الرسمية الأرضية للبلد إنما جاءت مع تطور التكنولوجيا وشيوع القنوات الفضائية التي لا رقيب على ماتبثه ولا حسيب ناهيك عن النت ومافي شبكاته من بلاوي في ظل حالة الحرب التي نعيشها وغياب مبدأ الثواب والعقاب لكل أفراد المجتمع.