شخصيات جعارية لا تنسى

 

محمد ناصر العولقي

 

كان المرحوم علي سالم اليافعي من الشخصيات الشهيرة التي تربعت على عرش مملكة شوارع جعار ومغامراتها الليلية منذ منتصف الخمسينيات حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي .
جاء من يافع الى جعار في السنوات الأولى من تأسيسها وكان يافعا مقطوعا من شجرة ، وعاش وتزوج فيها حتى توفاه الله .
كان الناس يعرفونه باسم علي سالم بايع القات ، وكان خليطا من الصفات المتناقضة ؛ يكون أحيانا طيبا في غاية الطيبة ، وأحيانا عنيفا في غاية العنف ، ويكون أحيانا رحيما الى أبعد حد ، وأحيانا جبارا بلا حدود ، ويكون أحيانا حكيما ورزينا ، وأحيانا مستهترا في غاية الاستهتار يخترق كل القيود المجتمعية ولا يضع اعتبارا لأي شيء سوى مزاجه ورغباته ، ويكون أحيانا مناضلا وطنيا ضمن خلايا الثوار ضد المستعمر ، وأحيانا أخرى روفلا من روافل السوق يؤذي هذا ويصفع ذاك ويحيك المقالب حتى للمصلين داخل بيت الله .
لقد كان شخصية إشكالية ، ورجلا محكوما لمزاجه فقط ، يفعل ما يشاء ، متى يشاء ، وحيثما يشاء غير أنه كان شخصية محبوبة وصاحب شعبية كبيرة في مدينة جعار ، أينما تراه يسير في المدينة فستراه محاطا بشلة من الناس كأنه زعيم .
ذات مرة في نهاية السبعينيات تقريبا كنت خارجا من المسجد ، ورأيته وهو يهرول من اتجاه سوق القات القديم بجانب جامع جعار ، وكان يمسك في يده شيئا ما ، وخلفه جمع كبير من الناس يضحكون ، ويقولون حرام .. حرام يا علي سالم الرجال با يموت ، وعندما اقترب في اتجاهي ، سمعته وهو يقول : المجنون قطع ذكره !!! ، فركزت على الشيء الذي كان في يده ، فإذا به فعلا ( ذكر المجنون ) الذي كان يتحدث عنه ، فابتعدت عن طريقه الى داخل المسجد واستمر هو في التقدم الى السوق والناس يلحقون به ضاحكين ومتوسلين ، وفي اليوم الثاني عرفت أن الشرطة سجنته ، وأسعفوا المجنون الى مستشفى المخزن ولكنه مات بسبب النزيف .
كانت هذه الصورة العنيفة والقاسية هي صورة من مزاج علي سالم اليافعي ، ويقابلها صورة أخرى في غاية التناقض رواها لي أخي الأكبر مهدي محمد ناصر حدثت في وسط سوق جعار في منتصف خمسينيات القرن الماضي .
قال مهدي : في أيام طفولتي ويفاعتي كنت ، وكان من هم في سني ، نخشى ثلاثة عتاولة في جعار عندما نأتي الى السوق وهم ، المرحوم علي سالم ، والمرحوم حسين عمر الصبيحي ، والثالث الابن الأكبر للمرحوم صالح الحاج الناخبي وأظن أن اسمه علي ، كنا نراهم متبطرين ، وممكن أن يتقطعك أحدهم وسط الطريق ويأخذ اللي في يدك ويرميه في الأرض شبعة بطرة ، ويا ويلك لو طلعت نخس !!!!
ولكن في مرة من المرات كنت في السوق ، وشفت واحد رجال معه حمار شكله تعبان وهزيل ، ومحمل عليه حاجات كثيرة فصعت ظهره فصع ، وصدفة مر علي سالم وشاف حالة الحمار ، فاعترض الطريق ، وصاح فوق صاحب الحمار : حرام عليك ياخي .. ليش تحمل الحمار هذا الحمل كله ؟ خاف الله ارحمه .
قال صاحب الحمار : ارحمه كيف ؟ قده حمار للحمول
قال علي سالم : خفف عليه ، ونزل بعض الحاجات …
ولكن صاحب الحمار تعامس ، فظل علي سالم يفاوضه من أجل أن يرحم الحمار وتنزيل الحمل من على ظهره ، وصاحب الحمار لم يقتنع ، ثم قال علي سالم :
طيب .. اسمع ياخي
قال صاحب الحمار : أيش معك ؟
قال علي سالم : با تبيعني الحمار بعشرة شلن ؟
وكانت العشرة شلن مبلغا كبيرا حينها ، والحمير بشلنجين أو ثلاثة شلن أو بالكثير خمسة شلن ، فلما سمع صاحب الحمار كلمة عشرة شلن وافق على الفور ، فقال له علي سالم :
هيه انفل سامانك
فأنزل الرجل سامانه من على ظهر الحمار ، وسلم حبل الحمار لعلي سالم واستلم منه العشرة الشلن ، فقام علي سالم وفك الحبل من رقبة الحمار ، وأطلقه في الشارع وهو يقول :
هذا الحمار حماري ، لا حد يمسه ولا يقربه ، واللي باشوفه وإلا اسمع إنه تعرض له فالله شله .. الله جابه

الله يرحمك يا علي سالم اليافعي

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى