تذكار سالمين 

كتب: محمد ناصر العولقي

 

كان أخي الأكبر مهدي محمد ناصر حفظه الله ورعاه من الرجال الذين ارتبطوا بالرئيس سالم ربيع علي ( سالمين ) رحمه الله وتأثروا كثيرا به وبسلوكه القيادي ، وكان يعمل في شركة كندا دراي في عدن ، ومع أيام التأميم كان مهدي ممن اختارهم الرئيس سالمين ضمن لجان حصر وإدارة بعض المنشآت الاقتصادية التي تم تأميمها في عدن في إطار قانون التأميم .

وفي إطار هذه العلاقة عن قرب فقد روى لي مهدي كثيرا من الحكايات عن سالمين وأخلاقه النضالية ونزاهته وتواضعه وبساطته الى درجة الظرافة .

ومن ذلك أنه في أحد المرات كلفه الرئيس سالمين بعمل في عدن، وأكد عليه أن يتواصل معه بشكل مستمر ، ويوافيه بما تم القيام به من مهام في هذا الجانب أولا بأول ، فقال له مهدي :

– يا سالمين شف عند الجولة يتعبونا، ولا يسمحوا لنا بالدخول الى الرئاسة إلا بشق النفس ، وأحيانا ما يسمحون بتاتا

فقال له سالمين : هات ورقة …

فناوله مهدي ورقة من مذكرة كانت معه ، فكتب فيها سالمين :

 

الإخوة في الجولة

اسمحوا للأخ مهدي ناصر بالدخول في أي وقت الى الرئاسة . وأمضى عليها بتوقيعه , وكتب التاريخ ١٢ / ١٠ / ١٩٧١

 

ولقاها مهدي ، فقال له مهدي :

– طيب شفهم با يشلون علي الورقة.، وبا يرجعون من جديد يتعبونا

، فضحك سالمين الله يرحمه ، وقال لمهدي :

– هات الورقة

فلقاه الورقة ، فكتب في أعلاها وهو يضحك بكل عفوية : لا تأخذوها عليه !!

 

وفي حكاية ثانية ، يقول مهدي :

ضمن عملي في لجان الحصر وإدارة المنشآت الاقتصادية قبيل وبعد التأميم كنت على تواصل مستمر مع الرئيس سالمين رحمه الله ليلا ونهارا بعد أن أصبح الطريق أمامي سالكا للدخول الى الرئاسة في أي وقت ، وفي مرة رحت لسالمبن في الليل ، ووجدته يجلس في فناء دار الرئاسة ومعه علي عنتر الله يرحمه ، فوقفت بعيدا عنهما ، فأشار لي الرئيس سالمين بيده ، وقال :

– تعال .. تعال يا مهدي

فتقدمت إليهما ، وسلمت عليهما ، وكان علي عنتر يتحدث في عدد من الأمور ، ومنها مشروع طريق امعين – المكلا ، وعندما جلست بجوارهما ، قال علي عنتر :

– من هذا يا سالمين ؟

فقال له سالمين : هذا مهدي من شبابنا الجيدين

وراح يحدثه ببعض نشاطي في عدن ، فقال علي عنتر :

– ليش ما نستفيد من مثل هؤلاء الشباب في المشاريع الهامة مثل طريق أمعين – المكلا ؟

فقال سالمين : صحيح … صحيح وسنعمل على ذلك

ثم جاؤوا بالعشاء فاصوليا وروتي ، فاعتذر علي عنتر ، وغادر دار الرئاسة ، وتعشينا سالمين وأنا ، ومع العشاء كنت أقدم له تقريرا شفويا عن عملنا اليومي ، وبعد ذلك استأذنت منه للمغادرة ، فقال سالمين :

– لا .. لا .. الوقت متأخر أجلس ونام هنا

فحاولت التهرب ولكنه أصر ، فوافقته على ذلك ، وكان دار الرئاسة ينقسم الى قسمين : قسم فيه أسرة الرئيس ، وقسم آخر على جنب فاضي ، فقمنا ، وإذا بالرئيس سالمين يصاحبني الى الغرفة ، ولم يذهب الى القسم الثاني الخاص بالأسرة ، ومشيت معه حتى الغرفة التي كان فيها سريران ، واستلقيت على سريري وأنا في غاية التوتر ، بينما استلقى الرئيس سالمين رحمه الله على السرير الثاني ..

وقد حاولت أن أنام ولم أستطع ، ثم قمت وجلست فوق السرير ، والرئيس نائم ، وفجأة صحي الرئيس سالمين ورآني وأنا جالس فقال .: مالك يا مهدي ما تنام ؟

فقلت له : كيف نام يا رئيس ؟ .. لا جاني نوم ولا با يجيني نوم ، أول مرة في حياتي نام أنا ورئيس الجمهورية في غرفة واحدة ، من وين با يجيني النوم ؟

فضحك سالمين وقال : اهدأ .. اهدأ يا شيخ ونام ، شوف الرؤساء بشر وما يأكلوا الناس !!!

وظل يهدي من روعي حتى هدأت ونمت .

وفي الصباح كان الرئيس سالمين يحمل منشفته ويقف في انتظار دخول الحمام وبكل تواضع وبساطة وأريحية .

 

سالمين كان قائدا في غاية البساطة والتواضع ، وعلاقاته مع المحيطين به ، ومع شعبه ليس فيها حواجز ولا بروتكولات ، ويتصرف بتلقائية لا كبر ولا فشخرة ولا انتفاخ .

الصورة هنا لتوجيه الرئيس سالمين للحراسة بالسماح لمهدي بالدخول الى دار الرئاسة غي أي وقت ، والتي ظل مهدي محتفظا بها طيلة نصف قرن كتذكار من سالمين .

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى