سوق النساء» التاريخي بالمكلا يناضل للبقاء

تقرير ـ عبد الله الشادلي

يعتبر  سوق النساء في مدينة المكلا بساحل حضرموت، واحداً من أقدم الأسواق الشعبية في جنوب اليمن. ظهر هذا السوق بطابع معماري مميز إبان حكم السلطنة القَعِيطِية، في حضرموت، مطلِع القرن الماضي، كسوق يُلبي كل احتياجات المرأة الحضرمية، والفتيات اليافعات.

هو ملتقى لثلاثة أحياء رئيسية في المكلا، وهي: حي الحارة، وحي البلاد، وحي السلام. وعند دخولك إليه للمرة الأولى، تشعر بالحياة والنشاط يملآن المكان. تتميز أزقة السوق الضيقة بالمباني الشعبية الطينية، لتعكس بساطة أبناء المكلا في تلك الحقبة الزمنية. وعلى الرغم من تقدم السنوات، ظل السوق عالقا في ثقافة وتاريخ المكلا، وجزء من حياة المرأة والفتاة الحضرمية التي تلجأ إليه عادة لتوفير احتياجاتها.

ويتكون السوق من مجموعة من المتاجر والحوانيت والبسطات [أكشاك] الممتدة على طول 500 متر، تبدأ من مسجد السلطان عمر، وصولاً إلى مسجد بازرعة.

وتعمل في السوق العديد من النساء مثل “بركة”، العجوز الحضرمية التي تفترش الأرض لبيع  الحلي المقلّدة والرخيصة للفتيات الصغيرات، وأيضاً المسابح الإسلامية. قالت بركة لمركز إنها ولدت في عام قريب من افتتاح سوق النساء في خمسينيات القرن المنصرم.

تشكو بركة من تراجع إقبال النساء والفتيات على السوق: “أواجه صعوبة في القدوم إلى هنا يوميا فأنا كبيرة في السن وأعاني من الأمراض. ما أبيعه في كثير من الأحيان لا يستحق عناء التعب”.

*السلع*

يعتبر سوق النساء مركزا لتجارة البضائع التقليدية والحرف اليدوية والسلع المتنوعة، منها على سبيل المثال:

– المجوهرات بشقيها الذهب والفضة.
– المشغولات اليدوية.
– أدوات التجميل.
– الأزياء التقليدية الخاصة بالنساء والأطفال لا سيّما الفتيات، كالأثواب “البدوية”.
– الألعاب والتحف.
– المباخر التقليدية المصنوعة من الطين والبخور.
– اللبان بصنفيه “البدوي والحضري، إضافة إلى اللبان الذكر”.
– الهرد [الكركم] والحناء، والغسّة [وهي مادة عشبية أشبه بالحناء تستخدم للتجميل وكقناع للوجه].
– الورس [مادة يتم فردها على جزء من صدف المحار].
– الكحل.
– المرّ.
– المكسرات والحنظل.
– القُفف – وتُستخدم كحوافظ للأطعمة – والمكانس ومفارش الطعام التقليدية.

*تراجع السوق*

خلال الأعوام الأخيرة، تأثرت الحركة التجارية في سوق النساء بشكل كبير بسبب وطأة الحرب المستمرة منذ أكثر من ثمانية أعوام وانعكاساتها الاقتصادية المدمرة على السكان. دفع الركود العديد من تجّار المجوهرات إلى إغلاق أبوابهم، هرباً من أعباء الإيجارات الباهظة التي تفوق قدراتهم المادية.

أم محمد، إحدى البائعات في هذا السوق التي تكابد مشكلة ركود السوق. تبيع أم محمد الأواني المنزلية المحلية وبعض المقتنيات الأخرى، وهي تقوم بذلك منذ سنوات بعد وفاة زوجها تاركا خلفه ثلاثة أطفال تعيلهم.

وقالت : “يبدأ يومي في الصباح الباكر. هذه بسطتي التي هي كل ما أملك أبيع فيها الأدوات المنزلية وبعض المتطلبات النسائية. أكثر ما يطلبه الناس في الوقت الحالي هو المكانس المصنوعة من الخوص [سعف النخيل]، والمباخر. هم يهتمون بهذه المقتنيات لأنها من تراثنا الحضرمي”.

وأضافت: “أنا أشعر بالإحباط لرؤية العدد القليل من النساء القادمات إلى السوق. يبدو أن الناس يفضلون التسوق في المراكز التجارية الكبيرة بدلاً من الأسوق الصغيرة”. لكن أم محمد لا تستسلم لهذه الظروف: “أقوم بتحسين تصميم البسطة وعرض منتجاتي بشكل أفضل لجذب المزيد من النساء”.

ومقابل أم محمد، تفترش أم مصطفى الشارع مع بسطة أخرى. أبدت استعدادها لمشاركة أم محمد في متجر أو حانوت صغيرـ وأخبرت بأنها سعيدة بالعمل إلى جانبها.

لكن أم محمد تخشى من أن يكون لهذه الشراكة أثر على صداقتهما وعلاقتهما القديمة. قالت إنها تفضل البقاء كما هو الحال الآن. وبنبرة ضاحكة، ردت أم مصطفى بالقول: “معها حق، لحم الشراكة نيء، [مثل شعبي قديم يتوجس من تأثير شراكة الأعمال على العلاقات الشخصية]”.

قالت سمر بازنبور، وهي أحد عملاء أم محمد إنّ “المقتنيات التراثية، كأطباق الطعام المصنوعة من الخوص، والمباخر، لا يعرف قيمتها إلا المهتمون بالتراث”. وتشتري سمر هذه المنتجات وترسلها لبعض الأسر في الخارج بهدف تحقيق دخل يعينها على تدبير حياتها وإكمال دراستها.

لقد اضطر بائعون آخرون في سوق النساء لإطلاق تخفيضات تصل إلى النصف في محاولة لتنشيط الحركة التجارية. خالد باجرفان، وهو بائع مجوهرات في سوق النساء بالمكلا، قال إن “حركة البيع والشراء في الوقت الراهن في أسوأ حالاتها على الإطلاق. أغلق كثير من التجار محلاتهم في حرب غير متكافئة المكسب والخسارة”.

وأضاف: “سعيد الحظّ من بائعي الذهب من يبيع 20 جراماً في الأسبوع هذه الأيام. في السابق كان معدّل البيع 50 جراماً في اليوم الواحد. ورغم كثرة متاجر المجوهرات في هذا السوق، كان الجميع يبيع”.

ويشكو باجرفان بأنّ الأهالي “لم يعد يشترون إلا القليل فقط. وحتى في فترات الأعراس التي كانت تعد موسما لشراء المجوهرات، يلجأ الناس الآن إلى التقليل فيها بشكل متزايد”.

في المقابل، تلجأ المشاريع المحلية الصغيرة التي تهرب من ارتفاع الإيجارات الباهظ، إلى افتراش الطرقات وتوفير السلع الأساسية والمنتجات الضرورية بأسعار أقل، وسط ظروف سيئة.

ويرجع حسين الشبامي (أحد الباعة) تراجع النشاط التجاري في المدينة إلى “الأوضاع الحالية في البلاد، وقلّة السيولة، وإدخار الناس للمال خشية حدوث أزمة مفاجئة”.

ورغم هذه التحديات والتأثيرات السلبية، ما زال بعض التجار ومالكي الحوانيت الصغيرة والباعة من الأفراد يحاولون البقاء وطلب الرزق. قال أحدهم إن السوق سيظل صامدا ويتجاوز الأزمة الراهنة كما فعل منذ عقود.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى