لا رثاء يكفي لصوت كان هو القضية ولملامح تشعر بتأملها بعشم كبير لم يفقد الأمل بالنصر يوما
كتب _ أوراس عبدالله
هناك غصة تأتي دون كلام، صامتة بعمق وجعها، تأتي على هيئة نظرة طويلة، أو انشغال دائم، عتب به كل شي إلا الكلام، أعتب على الدنيا التي لم تمنحني الفرصة الأخيرة لألقي عليك السلام، لأخبرك أنك فعلت أشياء كثيرة من أجلي أشكرك عليها، كنت موجودا دائماً معي، روحا تطمئنني، ومشجعاً لقدراتي وخطواتي، مستمعاً لهمومي وبعثرة أفكاري، شاهد الله على انك ما كنت تتصيد اخطائي الا لإصلاحها وتقويمها وإرشادي، و هذا كاف لأدعو لك حتى آخر عمري.
البارحة أخذني النعاس بين جميع الأفكار، فنمت نوماً ثقيلاً وبي احساس بأني أغرق ولست أنام، كنت جيشنا الوحيد لكل منا، داعمنا الاول، من يهتف لنا في كل نجاح نناله، من يفرح لفرحنا ويكون مساهما به، فكل من تنظر إليه يتوهج، ولست احكي عنك بهذه الكلمات ولا اصف عطاياك بل بعضاً من أثرها الذي يسكننا.
افتقدتك وسأفتقدك كلما استجد حدث في المشهد الجنوبي ولم أعرف رأيك به، كلما اقترب موعد طباعة السكريبت الخاص بالبرنامج فقد كنت تمرر لي نسخة المقدمة لأقرأها أولاً بنفس ثوري حماسي وتكون انت جمهوري الوحيد، تتقد فخراً بأدائي، سافتقدك لاني أعجز عن الاعتياد، الذكريات تحاصرني، في المكاتب والممرات والعشب الاخضر، زاويتك الخاصة باتت موحشة دونك، وفنجان قهوتك تشظى من الوحدة.
في ١٤ أكتوبر افكر كثيراً برحيلك عم صالح، غادرتنا وقلوبنا تشع منها البهجة و الحياة محتفلة بعيد الثورة، هل ظننت أنك سترأف بنا إذا رحلت ونحن في قمة ابتهاجنا، هل ظننت ان غيابك سيكون سهلاً ولن تتوقف عنده عقارب الساعة وتتجمد الدماء في عروقنا من هول الفاجعة، ها أنا اكتب لك وانا في أحزن نسخة مني، مندهشة كيف لهذا القدر أن يعمد رحيلك في ذكرى يوم عظيم ليهبك نهاية خالصة الوطنية تليق بمشوارك الثائر المشرف، ليُكتَب اسمُك مدى الدهر انك كنت مناضلا جسوراً، وبطلاً صادقاً حتى برحيلك.
بحبنا او بجهلنا ظننا أنك باقٍ ولو على فراش المرض، لكن الفراق سنة الحياة، البقاء لله وحده، والى حين مغادرتنا ندعوه أن يشفي مشاعرنا، ويهدي قلوبنا، ويسكن مواجعنا، ويتلطف بأمرنا فلا نسأله رد القضاء وإنما نسأله اللطف فيه.
اليوم لن نذهب إلى العمل فحسب، سنصلي، ونتضرع ونبكي وندعوا لك بالرحمة ونتحدث عنك بالخير على الرحب والحب دائما، فلم أرى أبهى من تأثير محبتك التي تشعرنا بفرحة عيد قبل أوانه، او ربما نصمت من العجز والضعف، فمن ذا يطيق مرارة التوديع.
ما عادت الدنيا ديارك ونسأل الله أن يبدلك داراً خيرا منها وأهلاً خيراً من أهلك ومنا، ولن تغلبنا المسافة فأنت دائما هنا، تختزنك العين وينبض بك عمق القلب، وفي مكان لا يصل إليه سوى القلة.
يا من قارعت المحتل بكلماتك المزلزلة، بارك الله صحيفة أعمالك فقد دونت التاريخ الجنوبي بماضيه وحاضره وتحولاته، صدرت الآمالِ والتطلعات، أعلنت الحرب، واستثرت الانتصارات.
الأستاذ العزيز عم صالح.. ثق بأننا ماضون بعزمك وإصرارك وبنضالك الذي لا يُقهر، من نصر إلى نصر، وكما كنت ترددها: نحن بعون الله منتصرون.
عيدك في الجنة أجمل عم صالح، وأعلم أنك ما غبت في عيدنا وذكراك على قلوبنا ركام، من قلوبنا إليك دعاء ومن ربي عليك سلام.
نم قرير العين.. لروحك النور والرحمة والسلام..