من باع ترابه خسر زاده ومن اهمل قناته تصحرت أرضه

م. عبدالقادر خضر السميطي

في السنوات الأخيرة، بدأت دلتا أبين هذه السلة الغذائية الغنية تفقد جزءًا من روحها الزراعية شيئًا فشيئًا.
قنوات الري السيلي التي كانت شريان الحياة للأرض والمزارعين تعطلت في كثير من المناطق الزراعية فتوقفت مياه السيول عن الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وتحولت إلى بقع جافة ينتظرها المصير المجهول.
وحين يجف الماء، تجف معه العزيمة… فيضطر المالك مُكرهًا إلى تخطيط أرضه بقعًا سكنية، بحجة عدم وصول مياه الري إليها. وهكذا تتحول التربة التي كانت تنبت القطن والفول السوداني والسمسم والذرةالرفيعه والدخن والذره الشاميه إلى أساسات خرسانية وتنمو فبها حبوب البردين
بدلا من حبوب الذره والسمسم والخضار

*من يفرّط في* *أرضه كمن يفرّط* *في خبزه أو طعامه*

الأرض الخصبة ليست مجرد ملكية خاصة، بل هي ثروة قومية وأمان غذائي. وهي التي تمد المائدة بالحبوب ورغيف الخبز والخضروات والفاكهه وهي التي تحفظ لنا بقاءنا على قيد الحياه في وجه تقلبات المناخ وأزمات الغذاء.
خلونا ناخذ نفس عميق
ولنا أن نتخيل إن استمر الحال بهذا الاتجاه حتى عام 2030م أننا سنخسر مساحات شاسعة من أجمل وأغنى أراضي الدلتا ابتداء من
جسر هرتلي و ما يليه من أراضي زراعيه وصولا إلى نهاية السمر المخزن، حتى تصل غربًا إلى أقرب نقطة لوادي بنا بالقرب من ساكن وعيص ذلك الوادي، الذي كان يومًا ما نهرًا من الحياة، اسالوا الرعيان الذين كانوا يحفرون 50سم في نفس الوادي على شان تشرب مواشيهم لا تستغرب أن قلت لكم أن هذا الوادي أصبح اليوم غابة من أشجار السيسبان التي أغلقت مجراه، ولم يتبق لمرور مياه السيول سوى أقل من عشرة أمتار.هذه الغابات حولت مجرى مياه السيول إلى المناطق الزراعيه وتسببت في جرف كثير من الاراضي الزراعيه الخصبه
تعال معي اخي العزيز خلينا نتوقف على جسر الصين أبين وانظر معي شمالًا وجنوبًا، سوف تدرك حجم الكارثة التي نعيشها، ونعلم جميعا أن الجسر نفسه قد يصبح في خبر كان إن لم تُكافح السيسبان وتُفتح مجاري السيول في الوادي من جديد.

*زحف الكتل* *الإسمنتيه يلتهم* *خصوبه الارض* *الزراعيه*

المخططات السكنية انتشرت كـالظل الممدود، حتى باتت مدينتا زنجبار وجعار على وشك أن تتعانقا شرقًا وغربًا، شمالا وجنوبا وما بينهما أراضي زراعية كانت تنبض بالحياة وتنتج الغذاء والدواء والكساء
من الرميلة الغربية إلى نهاية السمر
ومن أبين زنجبار إلى جبل خنفر
تتساقط الحقول واحدًا تلو الآخر،
وكأننا نودّع تاريخًا زراعيًا امتد لعقود طويلة.

فمن المسؤول؟
ومن يوقف هذا النزيف؟
هل نحن أمام تخطيط عمراني عشوائي أم عجز مؤسسي عن صيانة قنوات الري والسيطرة على مسارات السيول؟

*رسالة إلى كل مالك أرض*

لا تقل: هذه أرضي وأنا حر فيها
بل قل هذه أرضي وسأحافظ عليها وسأطالب بإصلاح قنوات الري لتبقى خصبة كما كانت.
فالحرية الحقيقية ليست في بيع الأرض، بل في إحيائها.
ومن يفرّط في أرضه اليوم، سيفقد غذاءه وغذاء أولاده.

*حكمة من أرض* *الواقع*
اسمع هذا ياهذا
يُحكى أن أحد المزارعين باع أرضه الخصبة واشترى بثمنها سيارة فاخرة
فقال له أحد الحكماء
يا هذا لقد بعت الجذر واشتريت الغصن فمتى يثمر الغصن بلا أصل؟
فابتسم المزارع وقال..
السيارة تسير بي اليوم!
فأجابه الحكيم والأرض
كانت تسير بك العمر كله!
اسمع الثانيه
يُقال اليوم في أبين ساخرين
فلان باع أرضه واشتري بيتًا… بس نسي إن البيت كان ممكن ينبني من خيرات الأرض نفسها!
فصارت الناس تنظر إلى من يفرّط في أرضه الزراعية كما ينظر الصياد إلى من كسر صنارته في موسم الصيد!
والحليم تكفيه الاشاره
نعم ياسادة الوضع خطير
ويحتاج إلى تحرك عاجل
من الجهات المختصة لإعادة تأهيل قنوات الري السيلي الذي خرجت عن منظومة الري وتم استخدامها لمرور مياه الصرف الصحي وفتح مجاري الوديان، ومكافحة السيسبان، ووضع ضوابط صارمة لمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية دون دراسات علمية واضحة.
فإن ضاعت دلتا أبين، ضاع معها مخزوننا الزراعي، وتراجعت قدرتنا على تحقيق الأمن الغذائي.

*رسالتي للمزارع*

حافظ على أرضك كما تحافظ على قلبك، فالأرض إذا نبضت بالماء أعطتك الخير، وإن عطشت منك صارت صحراء لا تنبت إلا الندم.

*عبدالقادر السميطي*
*دلتا أبين*

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى