القوات المسلحة الجنوبية تعيد رسم خارطة النفوذ السياسي والعسكري في الجنوب العربي

أبين ميديا/تقرير/الصوت الجنوبي

في تحول دراماتيكي للمشهد العسكري والسياسي في شرق الجنوب، وتحديداً في محافظة حضرموت الاستراتيجية، شهدت الأيام الثلاثة الأولى من الشهر الجاري ديسمبر تطورات متسارعة بلغت ذروتها بإعلان القوات المسلحة الجنوبية سيطرتها الكاملة على مدينة سيئون، مركز وادي حضرموت، الذي تسيطر عليه قوات المنطقة العسكريّة الأولى [قوات شمالية موالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح].

 

وجاء هذا التحرك العسكري الحاسم ضمن عملية أطلقت عليها القوات المسلحة الجنوبية اسم “المستقبل الواعد”، كاستجابة مباشرة لتصاعد التوترات الأمنية في المحافظة، والتي تطورت لاحقاً إلى قمع الاحتجاجات الشعبية.

 

وقال المجلس الانتقالي الجنوبي، اليوم الاربعاء في بيان، إن هذه العملية جاءت بعد استنفاد كل الخيارات لإعادة الاستقرار وإنهاء الانفلات الأمني في وادي حضرموت، الذي تحول خلال السنوات الماضية إلى منصة تهريب للحوثيين ومعقل لتنظيمي داعش والقاعدة.

 

وأكد المجلس أن الجنوب لن يكون ممراً للتهديدات الأمنية أو مأوى للإرهاب، مشدداً على محاربة كل التنظيمات المتطرفة وحماية المواطنين والمنشآت الحيوية.

 

وفي إطار تعزيز المصالحة، وجّه رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، بإعلان عفو عام يستثني مرتكبي الجرائم الكبرى، ورعاية الجرحى والإفراج عن كافة الأسرى فوراً، داعياً المدنيين والعسكريين للبقاء في منازلهم حرصاً على سلامتهم.

 

وأكد الانتقالي أن القوات التي أزيحت كانت “الرئة التي يتنفس منها الحوثي والإخوان والتنظيمات الإرهابية”، مشدداً على أن حضرموت ركن أساسي في مشروع الدولة الجنوبية ولن تُترك رهينة للتهريب أو الإرهاب.

 

وكشفت التطورات الميدانية عن انهيار سريع لدفاعات “المنطقة العسكرية الأولى” وانشقاقات واسعة في صفوفها، بالتزامن مع حراك دبلوماسي تمثل بوصول وفد سعودي إلى المكلا بساحل حضرموت في محاولة لاحتواء الموقف.

 

التدخل العسكري

سبق الحسم العسكري بيوم واحد حالة من الغليان والاصطفاف السياسي والعسكري الحاد. بدأت ملامح المواجهة تتشكل مع تحركات القوات الجنوبية باتجاه مقر قيادة المنطقة العسكرية الأولى في سيئون.

 

ونقلت قناة “عدن المستقلة” عن مصادر في القوات المسلحة الجنوبية أن هذه التحركات تهدف لتأمين الوادي، متهمة المنطقة العسكرية الأولى بأنها تحولت إلى “غطاء للجماعات المتطرفة”. وفي تطور خطير، قالت القناة إن قوات المنطقة الأولى “استخدمت معتقلين كدروع بشرية” في منطقة الغرف بتريم لعرقلة تقدم القوات الجنوبية.

 

في المقابل، حاولت المنطقة العسكرية الأولى استيعاب الموقف، حيث صرح قائدها بأنه وجه بتنفيذ “خطة الإغلاق والتأمين لكامل مسرح العمليات”. إلا أن الجبهة الداخلية لهذه القوات شهدت تصدعاً كبيراً، حيث أفادت مصادر بأن عدداً كبيراً من منتسبي “كتيبة الحضارم” التابعة للمنطقة العسكرية الأولى أعلنوا انشقاقهم وانضمامهم للقوات المسلحة الجنوبية، وهو ما رحبت به الأخيرة رسمياً، مما أرجح كفة الميزان العسكري لصالح القوات المتقدمة.

 

وفي صبيحة يوم الثالث من ديسمبر، شهدت حضرموت تتويجاً للتظاهرات الشعبية السلمية بإطلاق القوات المسلحة الجنوبية عملية “المستقبل الواعد”، بهدف “تحرير وادي وصحراء المحافظة”.

 

وبحسب المتحدث الرسمي للقوات الجنوبية، المقدم محمد النقيب، فإن العملية تهدف بشكل أساسي إلى “تطبيع الأوضاع وحفظ الأمن والاستقرار”، بالإضافة إلى “قطع خطوط تهريب السلاح للحوثيين والقضاء على الإرهاب”.

 

وفي تسارع لافت للأحداث الميدانية، أكدت مصادر ميدانية دخول القوات الجنوبية إلى قلب مدينة سيئون. وأظهرت المشاهد المصورة القوات وهي ترفع علم الجنوب في نقطة “شحوح” الاستراتيجية التي كانت سابقاً تحت سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى، بالإضافة إلى السيطرة على نقطة “السويري” في تريم.

 

ولم يقتصر التقدم على النقاط الخارجية، بل توغلت القوات لتأمين مرافق حكومية في “شارع الستين”، وصولاً إلى السيطرة الكاملة وتأمين “مطار سيئون الدولي”، بحسب ما نقله مركز سوث24.

 

هذا التقدم العسكري لم يمر دون مقاومة؛ فقد أفادت مصادر باندلاع اشتباكات في محيط مطار سيئون بين القوات الجنوبية وقوات المنطقة العسكرية الأولى، مما أسفر، وفقاً لمصادر عن ارتقاء ثلاثة “شهداء” من القوات الجنوبية.

 

وفي سياق متصل بالعمليات العسكرية، وبالتزامن مع أحداث الوادي، أعلنت “قوات دفاع شبوة” عن تأمين “معسكر عارين” الواقع على الحدود الإدارية للمحافظة ضمن عملية أُطلق عليها “سيوف شبوة 2″، مما يشير إلى تنسيق عسكري عالي المستوى لتأمين المحيط الجغرافي للعملية.

 

وفي هذا الصدد، كانت الردود السياسية والشعبية على هذا الحسم سريعة وفورية. فقد بارك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ومحافظ حضرموت الأسبق، اللواء أحمد سعيد بن بريك، “السيطرة الكاملة على مواقع كانت تُعد معاقل للعناصر الإرهابية”، مؤكداً في منشور له على منصة (إكس) أن حضرموت أمام “فرصة تاريخية لاستعادة مكانتها”، وأن ما تحقق يمثل “بداية لمسار طويل نحو استعادة الدولة الجنوبية”.

 

وفي خضم هذه التطورات العسكرية، وصل وفد سعودي إلى مدينة المكلا، حيث كان في استقباله محافظ حضرموت سالم الخنبشي، وعقد لقاءً موسعاً لمناقشة “تطبيع الأوضاع”، في مؤشر على الاهتمام الإقليمي باحتواء تداعيات التغيير العسكري.

 

وأوضح رئيس اللجنة الخاصة بالمملكة العربية السعودية، اللواء الدكتور محمد عبيد القحطاني، أن زيارة الوفد السعودي جاءت بتوجيهات من قيادة المملكة للوقوف على أوضاع حضرموت، مشددًا على حرص المملكة والتحالف العربي على منع انزلاق الأوضاع نحو أي مسار يهدد أمن واستقرار المحافظة.

 

من التصعيد إلى التحشيد

يمكن إرجاع الشرارة الأولى لهذه السلسلة من الأحداث إلى يوم 30 نوفمبر، ذكرى الاستقلال، حيث تحولت الاحتفالات الوطنية إلى مواجهة مفتوحة بين الشارع وقوات المنطقة العسكرية الأولى.

 

ورغم الطوق الأمني وانتشار القوات عند مداخل المدينة، أثبتت الحشود الجماهيرية نجاحها في كسر الحصار والمشاركة في الفعالية، حيث ردد المحتجون هتافات تطالب بـ “تحرير وادي حضرموت”.

 

هذا الوضع المأساوي دفع الشارع الحضرمي للانفجار. ودعت قواعد شعبية وشبابية منها “شباب الغضب” في وادي حضرموت إلى اعتصام مفتوح في “ساحة الستين” بسيئون للمطالبة بتوحيد الصف وإخراج المنطقة العسكرية الأولى. إلا أن قوات المنطقة العسكرية الأولى واجهت هذه التحركات السلمية بالقوة المفرطة.

 

ووفقاً لمصادر، فقد قتحمت هذه القوات ساحة الاعتصام وأطلقت الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، واعتقلت عدداً من المشاركين وصادرت الخيام.

 

وصدر عن الفعالية بيان ختامي طالب صراحة بـ “إخراج المنطقة العسكرية الأولى”، و”تمكين النخبة الحضرمية” من السيطرة على كامل المحافظة، وضرورة تخصيص عائدات الموارد لخدمة أبناء الجنوب.

 

أزمة الطاقة وتمرد قبلي “مسلح”

شهدت حضرموت تصاعداً حاداً في التوترات مع بروز ما وصفه المسؤولون بـ “تمرد مسلح” يقوده وكيل المحافظة عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت السابق. استغل بن حبريش حالة الفوضى التي خلقتها أزمة الخدمات في مناطق الساحل، وفي مقدمتها الانقطاع المتكرر للكهرباء نتيجة قطع مسلحين قبليين لإمدادات الوقود، لتوسيع نفوذه والسيطرة على المنشآت النفطية.

 

وعلى الصعيد الرسمي، أدان نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اللواء فرج البحسني، هذه التحركات، مؤكدًا أنها تمثل تشكيل مجموعات مسلحة خارج إطار الدولة ومداهمة المنشآت النفطية، ووصفها بالعمل “التخريبي”، مع تحميل مجلس القيادة الرئاسي مسؤولية التقاعس في مواجهتها في وقتها.

 

في مقابلة مع قناة “BBC عربي”، برر عمرو بن حبريش سيطرة مسلحيه على المنشآت النفطية بأنها “للدفاع عنها”، رافضًا مشروع “الجنوب العربي”، ومطالبًا السعودية بالتدخل لدعمه. هذا الموقف استدعى تدخل أعلى هرم السلطة، حيث أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، اتصالًا بمحافظ حضرموت، مؤكدًا دعم الدولة لتمكين أبناء المحافظة من إدارة مواردهم، ومشدداً على ضرورة “تفويت الفرصة أمام الميليشيات الحوثية والتنظيمات المتخادمة معها”.

 

تكمن جذور التصعيد الأخير في الأزمة الاقتصادية والإنسانية الخانقة التي ضربت وادي حضرموت مطلع ديسمبر، والتي تسببت بها الصراعات على الموارد النفطية. فقد أعلنت “مؤسسة كهرباء وادي حضرموت” خروج منظومة الكهرباء عن الخدمة بشكل شبه كامل، حيث توقفت نحو 85% من القدرة التوليدية، نتيجة انقطاع إمدادات الغاز من شركة “بترومسيلة”.

 

من جانبها، أصدرت شركة بترومسيلة بيانات تحذيرية شديدة اللهجة، معلنة توقف عمليات الإنتاج في القطاع (14) منذ 29 نوفمبر بسبب “تدهور الأوضاع الأمنية”، مشيرة إلى أن انقطاع الغاز جاء كإجراء للحفاظ على السلامة. كما حذرت الشركة من أن أي اشتباكات في محيط المنشآت قد تؤدي إلى “كارثة وخسائر هائلة”. واتهمت قناة “عدن المستقلة” مسلحي عمرو بن حبريش بإغلاق محطة الغاز، ما أغرق الوادي في الظلام.

 

في رد فعل رسمي أولي على التوترات، وجهت اللجنة الأمنية في حضرموت، بقيادة المحافظ الجديد سالم الخنبشي، “المنطقة العسكرية الثانية” بإخراج المسلحين التابعين لعمرو بن حبريش من مواقع حماية الشركات النفطية. وأكدت قيادة المنطقة الثانية في بيان لها أن “قوات النخبة الحضرمية” دفعت بتعزيزات إلى “معسكر الأدواس” لفك الحصار عن المنشآت، مشددة على أن هذه القوة “من أبناء حضرموت خالصة” وجاءت لتأمين المنشآت الحيوية، داعية المواطنين للالتفاف حولها.

 

وفي نهاية المطاف، شكلت هذه الأحداث في 30 نوفمبر نقطة اللاعودة، التي مهدت الطريق للتصعيد اللاحق والحسم العسكري في الأيام التالية، مؤذنة بمرحلة جديدة من السيطرة الأمنية على وادي حضرموت.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى