اشتداد وتيرة الصراع التكنولوجي المحموم بين أميركا والصين فمن سينتصر؟

أبين ميديا/تقرير / محمد مرشد عقابي:

تصاعدت في الآونة الأخيرة مخاوف السلطات والخبراء الأميركيين من التقدم المتسارع الذي تحرزه بكين في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجي ككل، ولا سيما في القطاع العسكري، ما قد يجعلها تكسب السباق خلال فترة ليست ببعيدة بحسب تقديرات بعض المراقبين، ولعلّ ذلك هو ما يفسر على الأرجح، استشراس الغرب أخيراً في محاولة تطويق الصين من خلال العقوبات الدولية أو القيود على صادرات التكنولوجيا وصولاً حتى إلى توصيات بانتزاع المواهب من الداخل الصيني وتسخيرها لمصلحة الولايات المتحدة وشركاتها وسط تحذيرات من أن عدم تنظيم هذه المنافسة قد ينتج حرباً عالمية ثالثة لا تشبه سابقاتها.

وخلال جلسة استماع أمام مجلس النواب منتصف الشهر الماضي، حذر المدير التنفيذي السابق لـ”غوغل”، إيريك شميت، من أن الصين تستثمر في الذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع أكثر بكثير من الولايات المتحدة، مؤكداً أنه في المجالات الرئيسة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية فإن الولايات المتحدة ستكون متقدمة قليلاً على الصين لسنوات قليلة فقط، ولا سيما أن هذه الأخيرة تعمل على تطوير الذكاء الاصطناعي الاستراتيجي بلا هوادة، وفي تقرير آخر صدر هذا الشهر عن مشروع أبحاث المنافسة التابع لشميت أيضاً، يلفت الأخير إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة تصميم جيشها لمواجهة هذه التهديدات بعدما أمضت الصين ثلاثين عاماً في دراسة العمليات القتالية الأميركية بهدف هزيمة القوة العسكرية لواشنطن وهي الآن تسعى إلى القيام بذلك بمساعدة الذكاء الاصطناعي، على حدّ تعبيره.

يأتي هذا في وقت يعاني فيه الداخل الأميركي من انقسام حول كيفية التعامل مع السباق التكنولوجي، ففي رسالة مفتوحة صادرة عن معهد مستقبل الحياة، وهي منظمة بحثية مقرها بوسطن، حث أكثر من ألف من قادة التكنولوجيا والباحثين بمن فيهم رئيس تيسلا إيلون ماسك في آذار، مختبرات الذكاء الاصطناعي على إيقاف تطوير الأنظمة الأكثر تقدماً، محذرين من أن الذكاء الاصطناعي يشكل مخاطر عميقة على المجتمع والإنسانية، لكن تلك الدعوة لاقت معارضة من العديد من المسؤولين في البنتاغون والكونغرس والذين حذروا من أنه في حال لم تتابع الولايات المتحدة تطوير أسلحة قوية تعمل بالذكاء الاصطناعي بسرعة فهي تخاطر بخسارة صراع مستقبلي محتمل مع الصين بحسب وكالة بلومبرغ، كما رفض بعض الخبراء ومن بينهم شميت الذي يقر بالمخاطر التي تنطوي على الذكاء الاصطناعي، التوقف عن تطويره ولو لأشهر قليلة فقط.

ووفقاً للتوقعات الحالية، يقول شميت إنه ستكون لدى شركات أشباه الموصلات الأميركية 300 ألف وظيفة شاغرة للمهندسين ذوي المهارة بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن استقطاب مئات آلاف الأميركيين وتدريبهم سيكون مستحيلاً في هكذا فترة زمنية قصيرة، واعتبر الرئيس السابق لـ”غوغل”، في تقرير فيمجلة فورين أفيرز، أن مشكلة واشنطن لم تعد تتعلق بعدم توفر المواد الخام أو غياب رأس مال واللذين يمكن لإقرار قانون على غرار قانون الرقائق والعلوم الذي خصص 53 مليار دولار لتمويل البحوث حول أشباه المواصلات وتصنيعها، بل إن المشكلة الأساسية هي النقص في المواهب والذي نتج من نظام الهجرة «المختل وظيفياً الذي تتبعه واشنطن كونه يردع بشكل متزايد كبار العلماء والباحثين ورجال الأعمال في العالم عن إفادة الولايات المتحدة بعدما كانت لهم اليد الطولى في تطور معظم المجالات فيها في وقت تقوم فيه الدول الأخرى وعلى رأسها الصين بتجنيدهم بشكل استباقي.

ويذكر شميت بأن استقطاب العلماء اللامعين الأجانب ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، ساهم إلى حد كبير في تطور القطاع التكنولوجي الأميركي حيث اعتمدت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على شركاتها وجامعاتها لجذب العقول الأفضل والألمع في هذا المجال من أنحاء العالم، وقد ساعد هؤلاء حتى في جعل غوغل من أفضل شركات التكنولوجيا الرائدة حول العالم، بيد أن جذب المواهب هذا لم يحدث بفضل نظام الهجرة الأميركي بل رغماً عنه، بحسب شميت، إذ فشلت واشنطن على مدى عقود في تمرير إصلاح هادف للهجرة، ويحذر الكاتب من أنه في حال أرادت أميركا أن تظل رائدة في مجال الابتكار فلن تكون قادرة بعد الآن على تجاهل المواهب التي تنتظر خارج حدودها.

خطر تطور الذكاء الاصطناعي

في المقابل، تعمل الصين بنشاط للحفاظ على أدمغتها بناءً على إرشادات صادرة عن قيادة هذا البلد، وفي عام 2021، أعلن الرئيس شي جين بينغ أن المنافسة في عالم اليوم هي منافسة على المواهب البشرية والتعليم، واستناداً إلى تعليماته، بدأت بكين التي تعاني من نزوح المواهب في إنفاق الأموال جدياً للحفاظ على خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ودفع أجور عالية لهم تصل أحياناً إلى ثلاثة أضعاف ما يتلقاه نظراؤهم في الولايات المتحدة، كما أن حلفاء واشنطن على غرار المملكة المتحدة وكندا يقومون بالمثل ويقدمون تسهيلات تقنية ومالية لأصحاب هذه الاختصاصات لاستقطابهم والحفاظ عليهم، ويأسف شميت في تقريره لكون الولايات المتحدة أضاعت فرصة كبيرة العام الماضي عندما لم يتمكن رئيسها جو بايدن من إقناع الكونغرس بالتنازل عن متطلبات التأشيرة لكبار المهندسين والعلماء الروس لجذبهم بعيداً عن حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مضيفاً أن على بلاده أن تبذل المزيد من الجهد لجذب العلماء والمبتكرين الصينيين الذين كانوا بمثابة نعمة كبيرة للاقتصاد الأميركي في مرحلة معينة، ويلفت إلى أنه منذ عام 2000، أنشأ حملة الدكتوراه الصينيون في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، شركات ناشئة تقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار دولار في بلادهم، معتبراً أنه في حال أرادت الولايات المتحدة أن يبدأ هؤلاء أعمالهم فيها بدلاً من الصين فيجب أن تكون أكثر ترحيباً بالمواهب الصينية على الرغم من حديثها الدائم عن مخاطر أمنية قد يتسبب بها الصينيون، لأن ضرراً أكبر بكثير سيلحق بالبلاد، في حال استمرت في إبعاد رواد الأعمال والعلماء الصينيين عنها.

ويرى محللون أن المخاطر المحدقة بتطور الذكاء الاصطناعي وسط المنافسة الأميركية – الصينية المتزايدة اليوم، لا تقتصر على القيود التكنولوجية المتبادلة والتي كان آخرها توقيع حاكم ولاية مونتانا الأميركية تشريعاً يحظر تشغيل تطبيق مشاركة مقاطع الفيديو القصيرة المملوك للصين “تيك توك” في الولاية، فضلاً عن سلسلة ضوابط تصدير على تكنولوجيا صناعة الرقائق فرضتها واشنطن على بكين لترد هذه الأخيرة عليها بحظر رقائق منتجات شركة ميكرون تكنولوجي الأميركية المصنعة لرقائق الذاكرة في البلاد الشهر الماضي، وفي هذا السياق يحذر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر في مقابلة مطولة أجراها مع مجلة ذي إيكونوميست البريطانية أواخر الشهر الماضي من أن ميزان القوى والأساس التكنولوجي للحرب يتغيّر بسرعة كبيرة وبطرق مختلفة إلى درجة أن العالم أضحى في وضع شبيه بما كانت عليه الأمور قبل الحرب العالمية الأولى حيث لا يتمتع أي من الجانبين (أي الصين والولايات المتحدة) بهامش كبير من التنازل السياسي وحيث يمكن أن يؤدي أي اضطراب في التوازن إلى عواقب وخيمة، وإذ يحاول كيسنجر الذي لطالما كان داعية الحروب الأميركية تقديم إرشادات حول كيفية تجنُّب حرب ستكون مدمرة هذه المرة فهو يرى أن الطريقة الوحيدة لمنع حدوثها هو عبر الدبلوماسية الشرسة، في وقت بات فيه مصير البشرية يتوقف على مدى استعداد أميركا والصين لـ “التعايش” وبحسب كيسنجر فإن التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص لا يترك لهما سوى 5 إلى 10 سنوات لإيجاد سبيل لهذا التعايش.

ويشدد الدبلوماسي الأميركي على ضرورة الحد من التوترات في ما يتعلق بمسألة تايوان تحديداً وبشكل ملح، من خلال تراجع واشنطن خطوة إلى الوراء نظراً إلى أنه ما من قائد صيني تاريخياً أبدى أي استعداد لتقديم تنازلات بخصوص هذه القضية، داعياً بلاده إلى البدء بخفض منسوب التوتر ومن ثم العمل على بناء الثقة وإن عبر إنشاء مجموعة صغيرة من المستشارين من كلا الطرفين ليتواصلوا بشكل مستمر بعضهم مع بعض ولو بشكل غير معلن، وفي إشارة هي أشبه ما تكون بدعوة الولايات المتحدة إلى تقبل الصين وصعودها يعتقد كيسنجر أن صناع السياسة الأميركيين يسيئون فهم آلية تفكير السلطات الصينية وكيفية رؤيتها للنظام العالمي عندما يتهمون بكين بأنها تريد الهيمنة على العالم، إذ إنهم في الصين يريدون أن يكونوا أقوياء، وأن يمكنوا بلادهم من بلوغ أقصى طاقاتها وأن يتم احترام إنجازاتهم وأن يكون الحكام الصينيون القضاة النهائيين في النظام الدولي عندما يتعلق الأمر بمصالحهم الخاصة، مضيفاً أن الصين لا تريد الهيمنة على العالم بالمعنى الهتلري وأنها لن تسعى إلى فرض ثقافتها على العالم في حال تفوقها في الصراع القائم، واللافت أن كيسنجر وفيما يصر على ضرورة أن تتنبه واشنطن إلى طريقة نشرها لقواتها حول الجزيرة والحد من إثارة الشكوك حول دعمها لاستقلالها، ينبه إلى أنه في الأوضاع الحالية لن تكون الولايات المتحدة قادرة على التخلي عن تايوان من دون تقويض مكانتها في أماكن أخرى نظراً إلى هامش المناورة الضيق الذي تمتلكه، وأخيراً يعرب عن اعتقاده بأنه من الممكن أن يتعايش البلدان معاً وأن يتجنبا حرباً شاملة، لكنه يترك في المقابل هامشاً لفشل هذه الخطة، داعياً واشنطن إلى تجهيز قوة عسكرية قادرة على مواجهة هكذا سيناريو محتمل.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى