محمد ناصر العولقي
في أيام الطفولة كان أحد عيال حافتنا مولعا كثيرا باختلاق الحكايات الوهمية يعني زيما تقولوا كذا يعجبه البلث زي عبده شمسان كبير البلاثين في جعار .
كان يطوف ويجول أحيانا فوق صبة البردين أمام بيت الخريبي وأحيانا تحت الشجرة أمام فرن الحاج عبده وأحيانا فوق صبة استديو شباب ١٤ أكتوبر ، وكنا نتبعه ونتحلق حوله ليروي لنا آخر حكاياته الطازجة ، وهو لا يتردد في ذلك فيروي ونحن نتابعه فاغرين أفواهنا ، وإذا شعرنا أنه يزيد في ( البلث ) نخرج عن صمتنا ونتغامز ونتضاحك بينما هو يصر على صدق الحكاية ويغضب ويحلف إنه لن يروي لنا بعد اليوم حكاية أخرى ، ولكنه في اليوم التالي سرعان ما يتراجع عن حلفانه ويستمر في موافاتنا بالجديد .
صاحبنا كان والده من الميسورين حسب مقياس ذاك الزمان ، ويملك سيارتين نقل نوع موريس ، ويحمل بهن نيس وكري وحجار بس ما كانت السيارتان تشتغلان معا في وقت واحد ، فكانت كل واحدة منهن تساعد أخنها ، واحدة تعطل ، وواجدة تشتغل ، فيأخذ والده رحمه الله يأخذ من العاطلة قطع الغيار السليمة ليشغل بها الأخرى فإن حتى تتعطل فيرجع يسمبك في الأولى ، ويدعمها بقطع غيار العاطلة ، فقد كان والده جنيرا ( مهندسا ) بالخبرة أو قل إنه تعلم الجنيرة من خلال عشرته الطويلة مع السيارتين ، وكانت السمة الثابتة في السيارتين هي أنهما في الغالب يشتغلان بالدهفة ، فكانت الحافة على موعد يومي مع مناداة الوالد : يا عيال تعالوا ادهفوا !!! وكان المعني الأول بنداء : ( تعالوا ادهفوا ) هو صاحبنا لأن السيارة سيارتهم ، ولكنه كان نحيلا جدا ومن وزن الريشة ، فنساعده نحن بمناداة عنتر بن شداد الحافة يسلم باخريش الذي كانت هوايته المفضلة جمع العصبان ، واستخدامها كسيوف ، وصبغ وجهه بالفحم ومبارزة أقرانه تقليدا لعنتر بن شداد مع إطلاق الصيحة المشهورة : هااااااااا … فكنا نذهب إليه مستنجدين بفروسيته وتزعم عملية دهف السيارة ، فيأتي عنتر باخريش ملبيا نداء الواجب ، ويدهف وهو يصيح : هاااااااا .. ونحن ندهف معه ، وأحيانا تنجح الدهفة ، وأحيانا تعصلج السيارة ويبلغ بنا التعب مبلغه ، فنترك الجماعة في وسط الشارع هم وسيارتهم ونتمارش ، ويعود يسلم / عنتر باخريش ينادينا : طيب تعالوا تعالوا خلونا نرجع السيارة الى عند البيت ، ونحن نتعامس وكل واحد يمسك له طريق ويحيص ، ومع كل هذا العكوك واللكوك إلا أن صاحبنا كان يروي الحكايات العجيبة عن سيارتهم ، وعن حذاقة والده الميكانيكية التي لا يعجزها شيء .
ومن حكايات صاحبنا العديدة عن هذه الحذاقة الميكانيكية ، فقد حكى لنا إنه في إحدى المرات كان مع والده راكبين في طائرة وبينما هم في الجو سمعوا صوتا مدويا يصدر عن الطائرة أو على حسب قوله ( قالت الطائرة بق بق بق ) ، فأخبر كابتن الطائرة الركاب بأن الطائرة فيها عطال كبير ، وستسقط وأن الجميع معرض للموت ، فبكى الركاب بأصوات عالية ، وحدث هرج ومرج في الطائرة ، ولكن والد صاحبنا صاح فيهم : اهدأوا ولا تقلقوا فكل شيء سيكون على مايرام !!!
ووسط دهشة الركاب مسك والده بيده وقال : تعال معي يا حبيبي ، فقام مع والده وفتحا الباب ونزلا الى داخل مكينة الطائرة وأصلحا العطل ، ثم عادا الى داخل الطائرة سالمين غانمين ، فقام الركاب من مقاعدهم وتحلقوا بالمنقذين ، وحملوا والده على أعناقهم وهم يهتفون : عاش عاش عاش البطل .
وعندما أكمل الحكاية نظر إلينا ، وكنا جاهزين للانفجار ضحكا ، وقال : مش مصدقين … صح ؟
فقلنا له : لا ..
قال : عادنا اختصرت وما قلت لكم : إن الركاب صلحوا فوضه ضد الطيار بعد هذا الموقف ورفضوا يخلوه يكمل الرحلة ، وفرضوا عليه أن يترك مقعده في القيادة ، وطلبوا من الوالد أن يسوق الطيارة بدلا منه وأنا المساعد حقه ، وسقناها وأكملنا الرحلة وهبطنا بسلام .
ياااااح … يااااااح اللهم صلي ع النبي ….
ومن يومها أطلقنا على صديقنا الطيب : قالت الطايرة بق بق بق .
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023
يونيو 1, 2023