حكايات رمضانية( ٣ ) صاحبنا البلاث

محمد ناصر العولقي

في أيام الطفولة كان أحد عيال حافتنا مولعا كثيرا باختلاق الحكايات الوهمية يعني زيما تقولوا كذا يعجبه البلث زي عبده شمسان كبير البلاثين في جعار .
كان يطوف ويجول أحيانا فوق صبة البردين أمام بيت الخريبي وأحيانا تحت الشجرة أمام فرن الحاج عبده وأحيانا فوق صبة استديو شباب ١٤ أكتوبر ، وكنا نتبعه ونتحلق حوله ليروي لنا آخر حكاياته الطازجة ، وهو لا يتردد في ذلك فيروي ونحن نتابعه فاغرين أفواهنا ، وإذا شعرنا أنه يزيد في ( البلث ) نخرج عن صمتنا ونتغامز ونتضاحك بينما هو يصر على صدق الحكاية ويغضب ويحلف إنه لن يروي لنا بعد اليوم حكاية أخرى ، ولكنه في اليوم التالي سرعان ما يتراجع عن حلفانه ويستمر في موافاتنا بالجديد .
صاحبنا كان والده من الميسورين حسب مقياس ذاك الزمان ، ويملك سيارتين نقل نوع موريس ، ويحمل بهن نيس وكري وحجار بس ما كانت السيارتان تشتغلان معا في وقت واحد ، فكانت كل واحدة منهن تساعد أخنها ، واحدة تعطل ، وواجدة تشتغل ، فيأخذ والده رحمه الله يأخذ من العاطلة قطع الغيار السليمة ليشغل بها الأخرى فإن حتى تتعطل فيرجع يسمبك في الأولى ، ويدعمها بقطع غيار العاطلة ، فقد كان والده جنيرا ( مهندسا ) بالخبرة أو قل إنه تعلم الجنيرة من خلال عشرته الطويلة مع السيارتين ، وكانت السمة الثابتة في السيارتين هي أنهما في الغالب يشتغلان بالدهفة ، فكانت الحافة على موعد يومي مع مناداة الوالد : يا عيال تعالوا ادهفوا !!! وكان المعني الأول بنداء : ( تعالوا ادهفوا ) هو صاحبنا لأن السيارة سيارتهم ، ولكنه كان نحيلا جدا ومن وزن الريشة ، فنساعده نحن بمناداة عنتر بن شداد الحافة يسلم باخريش الذي كانت هوايته المفضلة جمع العصبان ، واستخدامها كسيوف ، وصبغ وجهه بالفحم ومبارزة أقرانه تقليدا لعنتر بن شداد مع إطلاق الصيحة المشهورة : هااااااااا … فكنا نذهب إليه مستنجدين بفروسيته وتزعم عملية دهف السيارة ، فيأتي عنتر باخريش ملبيا نداء الواجب ، ويدهف وهو يصيح : هاااااااا .. ونحن ندهف معه ، وأحيانا تنجح الدهفة ، وأحيانا تعصلج السيارة ويبلغ بنا التعب مبلغه ، فنترك الجماعة في وسط الشارع هم وسيارتهم ونتمارش ، ويعود يسلم / عنتر باخريش ينادينا : طيب تعالوا تعالوا خلونا نرجع السيارة الى عند البيت ، ونحن نتعامس وكل واحد يمسك له طريق ويحيص ، ومع كل هذا العكوك واللكوك إلا أن صاحبنا كان يروي الحكايات العجيبة عن سيارتهم ، وعن حذاقة والده الميكانيكية التي لا يعجزها شيء .
ومن حكايات صاحبنا العديدة عن هذه الحذاقة الميكانيكية ، فقد حكى لنا إنه في إحدى المرات كان مع والده راكبين في طائرة وبينما هم في الجو سمعوا صوتا مدويا يصدر عن الطائرة أو على حسب قوله ( قالت الطائرة بق بق بق ) ، فأخبر كابتن الطائرة الركاب بأن الطائرة فيها عطال كبير ، وستسقط وأن الجميع معرض للموت ، فبكى الركاب بأصوات عالية ، وحدث هرج ومرج في الطائرة ، ولكن والد صاحبنا صاح فيهم : اهدأوا ولا تقلقوا فكل شيء سيكون على مايرام !!!
ووسط دهشة الركاب مسك والده بيده وقال : تعال معي يا حبيبي ، فقام مع والده وفتحا الباب ونزلا الى داخل مكينة الطائرة وأصلحا العطل ، ثم عادا الى داخل الطائرة سالمين غانمين ، فقام الركاب من مقاعدهم وتحلقوا بالمنقذين ، وحملوا والده على أعناقهم وهم يهتفون : عاش عاش عاش البطل .
وعندما أكمل الحكاية نظر إلينا ، وكنا جاهزين للانفجار ضحكا ، وقال : مش مصدقين … صح ؟
فقلنا له : لا ..
قال : عادنا اختصرت وما قلت لكم : إن الركاب صلحوا فوضه ضد الطيار بعد هذا الموقف ورفضوا يخلوه يكمل الرحلة ، وفرضوا عليه أن يترك مقعده في القيادة ، وطلبوا من الوالد أن يسوق الطيارة بدلا منه وأنا المساعد حقه ، وسقناها وأكملنا الرحلة وهبطنا بسلام .
ياااااح … يااااااح اللهم صلي ع النبي ….
ومن يومها أطلقنا على صديقنا الطيب : قالت الطايرة بق بق بق .

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى