الخالد في ذاكرة الصداقة والوطن .. العميد احمد زين بن يزيد الربيعي ..

بقلم : أ.د فضل عبدالله الربيعي

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

في ذكرى تأبين صديقي العزيز ورفيق مسيرة الصداقة والعمل والنضال المشترك لسنوات طويلة، العميد أحمد زين بن يزيد الربيعي- الله يرحمه ويسكنه الجنة-
لقد كانت تربطني به علاقة أخوية وقوية ومتميزة صادقة ومتجددة.
كنت أعرفه منذ أن كنت طالبا في المرحلة الابتدائية، نعم كان يكبرنا سنا ولم نلتقي في صفوف الدراسة.. لكنه كان اخ كبير لنا داعما موجها محفزا لي ولزملائي حيث كنت والمرحوم الشيخ فضل عبدالكريم سعيد قريبين جدا للمرحوم ..
أستمرت علاقتي مع المرحوم سنوات طويلة لم ينقطع التواصل بيننا رغم كل الاحداث التي عصفت بحياتنا خلال السنوات الماضية.
بل أستمر التواصل بيننا إلى ليلة وفاته..
اتذكر تلك الليلة التي لم انساها ابدا. كنت والمرحوم قد حضرنا جنازة المرحوم القائد اللواء صالح السيد مدير أمن لحج طيب الله ثراه. حيث اتفقنا ان نذهب مجلس العزاء بعد الافطار.. إلا انني استلمت منه اتصال بالهاتف قبل الافطار بعشرين دقيقة تقريبا يعزمني على الفطور عنده، قلت له انني وعدت العائلة ان نفطر بالبحر ونحن خارجين الان .. ان شاء الله اجيك مرة ثانية، وسوف نلتقي في العزاء رد على قائلا:” انا مريض وشفني رايح احس ان الموت قرب مني. انا منتهي عندي السكر والضغط مرتفع”.
حسيت بألم كبير من كلامه هذا قلت له: ربي يعطيك الصحة، السكر عندنا جميعا لاتخاف.
سوف نلتقي بالعزاء قال:” اذا استعطت سوف اجيكم”..
بعد ما روحت من العزاء حوالي الساعة الثانية فجرا برمضان، بعدها بقليل شفت رسالة من رقمه تقول رفيقك في العناية المركزة بالمستشفى ألحقه !
اتصلت على الرقم فعلا واخبرني ابن اخوه انه في العناية.
ذهبنا للمستشفى ووجدناه قد فارق الحياة.
إنا لله وإنا إليه راجعون، الله يرحمك صديقي الوفي الذي ظل على تواصل معي إلى اخر لحظة من حياته.
هكذا حال الدنيا. نحن جميعا عابرون ضيوف في هذه الدنيا.

لم تكون علاقتي بالرجل علاقة عابرة بل كانت ثابتة مستمرة لم تنقطع إذ ظل التواصل بيننا بكل ما تحمله العلاقة من معاني اخوية صادقة نواسي بعضنا ونتداول اخبار الاهل والاصدقاء باستمرار نحث بعضنا على اداء الواجب تجاه الاخرين من الاهل والاقارب والاصدقاء .
سيظل المرحوم في
ذاكرة الحياة والوطن خالدا لما قدمه من اعمال وبصماته الطيبة.
إذ يعد المرحوم واحد من الرموز والنخب التي كان لها دوراً واضحاً في مسيرة الاحداث التاريخية والذاكرة الوطنية، بل وفي العلاقات الاخوية والانسانية الحميمية.
فنحن جميعاً معرضون للموت والفناء من هذه الدنيا، وما يبقى من حياتنا الا تلك الأشياء والذكريات الجميلة.

كان الصديق احمد بن يزيد صاحب ذهنية ناضجة ممن يعطون الصداقة معناها الحقيقي،كان وفيا وملخصا لاهله وزملاءه ولعمله.
فعلى المستوى الوطني كان منذ البداية في صدارة المشهد، لمقارعة الظلم والاستبداد الذي لحق بالجنوب وابناءه منذ اجتياح الجنوب عام 1994م من قبل قوى الظلام والاستبداد بقوة السلاح تلك الحرب الظالمة الذي وضف فيها كل قوى التخلف والإرهاب للنهب والإبادة الجماعية لأبناء الجنوب.
وللمعرفة اكثر بدور زميلي ورفيقي دعوني اختزل لكم ذلك، رغم انني لا استطيع في هذه العجالة أن انصف رجلا من رجال الوطن الابطال لنعطيه حقه في هذه المرثية.
أحمد كما عرفته واحد من أبرز وانبل الشخصيات الناضجة الناصحة والبارزة في الوسط الاجتماعي والوطني،
احتل مكانه خاصة في وجدان وحياة ممن عرفوه ، كان انسانا ودودا وبارعا رصينا، مقنعا بحديثه الهادئ سلس في توصيل أفكاره للأخرين.
كان رجلاً حكيما، يتحدث بهدوء، ويناقش بموضوعية، ويتمنطق بالحجج والأدلة الداعمة لأفكاره.
كان يتمتع بالصبر والمثابرة، دمث الأخلاق حريص على علاقته بالاخرين.
نحن اليوم نقف نتذكر كيف كان بيننا بالأمس القريب.
لقد كانت مسيرة حياته غنية بمعاني الإنسانية، مملؤة بروح التفاؤل والتسامح والأخوة والكبرياء.
إنه مثالا للفارس المقدام في جود الأرض.. والطائر المحلق في سماء الآمال داعيا للسعادة والاخوة وللامن والامان والحرية والعزة ..
لم تكون معرفتي بالمرحوم معرفة عادية بل كانت كامنة تتلمس كثير من تفاصيل حياته الكفاحية حيث جمعنا الموقف والاتجاه وخضنا تجربة العمل والنضال والصداقة لسنوات طويلة.
استطيع القول بانه كان شجرة مغروسة في مجرى المياه تعطي ثمارها في أوانها، وورقها لا يذبل.
كان قلبه نابضا بحب الناس ووطنه.
مكافحا صامدا تبلورت شخصية الرائعة مع صراع الحياة والتاريخ وكانت الجغرافيا والمعاناة والغربة قد صنعت منه طاقة متجددة، في مسيرة حياته الكفاحية.
كان انسانا من الطراز الرفيع شامخا في العُلا وموقناً بان الحق عائد مهما طال الليل… وتزاحمت الأجندات، وساد الفساد والفوضى المقصودة.
إلا أن مشيئة ربنا الاكرم كانت قد خطفته علينا قبل ان تنجو سفينتنا إلى بر الأمان وتكتحل عيناه بميلاد دولتنا المستقلة، والذي طالما كان توقاً لها، وعبرت عنها مواقفه وتفاصيل مسيرة حياتك النضالية..
كان كغيره من زملاءه ينتظرون شروق الشمس على ارضنا من جديد ينبلج فيها فجرا منيرا جديدا. تزهو فيها الأرض بحللها الجميلة، يزول منها الهم والاستبداد والفوضى، والانانية والنميمة، يعم فيها الخير والأمان، تسمو فيها قيم العدل والخير والتسامح والوفاء .
غادر احمد الحياة لكنه ترك لنا بصمات مضيئة في حياته تجسدت في اغلب اعماله تلك التي تحمل المعاني الصادقة والمضاميين الانسانيه الراقية تأصل لمعاني الصداقة والجدية.
كان مخلصا اباء إلا ان يعيش في عزة وكرامة.
متسامحا محبا للجميع.
رحمة الله عليك ابا نبيل وغسان وعصام.

أ.د. فضل عبد الله الربيعي

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى