لحظة فراق الإحبة, (وداع امي الغالية)

بقلم// نجيب الداعري

لا تخبروا الناس كذباً عن سهولة التخلى ،.
بل قولوا لهم قولاً حقاً ، و أخبروهم أن فراق الأحبه يعادل آلام الموت ، و أن القلوب تشيخ و تصبح مليئة بالتجاعيد و أن وجودك مع من تحب ، كقنديل مضئ فى عتمة قلبك قبل روحك ..

فراق الإحبة كلمات يمكن قولها بسهوله ولكن مفعولها الحسي والنفسي والمعنوي يقع على المفارق كالصاعقة

ما اقسى الفراق لاحبة. عايشتهم منذُ نعومة اظافرك ونشأت وترعرعت بينهم وانت تراهم يقدمون لك كل انواع الرعاية دون ان ترى معاناتهم ولكن!! !!! واه من كلمة لكن!! !! عندما يفارقك من احببته تذهب عنك السعادة وتجعل من نفسك حبيس لافكار تغدو امام ناظريك ذهاباً واياباً وتتجمع لديك علامات الاستفهام لأسئلة لم تزورك من قبل ومنها
هل فراق الإحبة صعب لهذة الدرجة؟
وان كان صعباً فما هي الحلول البديلة التي تجعل من المفارق لا يحزن كثيرا؟

فراق الإحبة لا يعرف معناها سوى من عاشها وعايشته ولازمها ولازمته فتلاحظ نظام حياته الطبيعي انقلب راساَ على عقب واختلت موازين حياته اليومية فليله نهار ونهاره ليل,, , ذهنه شارد حتى ان كان المحيطين به كُثر,, يذهب في عالم استعادة شريط الذكريات الذي عاشه مع من احبه وفارقه

فراق الإحبة كلمات تحمل اسمى معاني الألم. وتجعل ممن عاشها فريسة لبنات افكاره التي تدفعه الى الشعور بالوحدة والأنطواء الذاتي الذي يتملكة لفترات وهو شارد للذهن, فاقد لكل سمات الحياة الجميلة التي يتمتع بها غيره

فراق الإحبة مراتب ومنازل ادناها فراق الحبيب واصعبها فراق الأم, ,,

ففراق الحبيب ليس بالامر المحزن الى درجة الألم المفرط كون لديه القدرة على نسيانه او حتى استبداله بآخر اذا لزم الأمر,, ولكن!! !!!!
فراق الأم هو الأصعب لانها متى فارقت احبتها فلن تعود ابداً ولن يجد لها بديلا

فالأم هي القنديل المضيء الذي يجعل من المكان الذي تعيش فيه يشع نوراً وتتخلله السعادة الدائمة والطمأنينة التي يبحث عنها الجميع صغيراً كان ام كبيراً

فراق الإحبة( فراق الأم) بالنسبة لمن عايشه كان بمثابة كابوس مزعج افقده. العزيمة على مواصلة ماكان يحلم به

انها الأم التي حملت وارضعت ودللت وربت وتحملت وقاست وعانت وصبرت وصابرت وتكبدت ويلات الحياة وتغلباتها لتامين اقصى قدر من الراحة والسكينة والحب والعطف لأبنائها,, فكيف لا! !! فكيف لايحزن الانسان على فراق تلك الشمعة المضيئة التي احرقت نفسها لتضيئ له دروب حياته المظلمة
كيف لا يحزن المرء على فراقها وهي التي كانت تقسم ظهرها لحمله على كتفيها المهدمين
كيف لا يحزن على فراقها وهي من كانت تعاني الأمرّين لاجل ان تشاهده يمرح مع الاولاد الآخرين
كيف لايحزن على فراقها وهي من كانت تعمل وتجد وتجتهد لتوفير ولو الشيء اليسير من العطف لينعم هو واخوانه الآخرين حتى وان كان على حساب جسدها المتهالك

فراق الإحبة ليس بالأمر الهين. كما يراه البعض فانا كنت ممن يواسي الآخرين على من فارقوا من احبتهم وبالتحديد امهاتهم ولكن عندما زارني ذالك المصاب تيقنت بإن الم مفارقة من احببت صعب لدرجة انك جالس مع المحيطين بك جسد دون حراك وروحك وعقلك وبالك مشغول في استعادة كل ما مر من ذكريات مع من فارقته

انها امي الحبيبة
يامن عز علي فراقها
فلقد قسم ظهري رحيلك, ,, وزاد وجعي بغيابك عنا وقد تعودنا على كلماتك التي تصدح وتشدو بكل ارجاء المنزل منذُ الصباح الباكر وحتى خلودك الى النوم

امي يانبض قلبي وسلوة فؤادي ومهجتي ونور عيني
لقد رحلتي عني وانا اشعر بانني لم اقم بواجبي تجاهك على اكمل وجه,, بل احس بانني لن ارد لكي ولو الجزء اليسير من عطفك وحنانك وتربيتك وتحملك لكل مصاعب الحياة من اجلي وهمك الوحيد كان ان اكبر وانا صحيح البدن قوي العزيمة ذو سلوك حسن وسمعة طيبة
ولم تنعمي بالسعادة يا امي الا بعدما شاهدتيني وانا ااخذ شهادتي الجامعية التي كانت نتاج جهدك وصبرك وتحملك وسهرك ومن ثم زادت سعادتك عندما كنتي تشاهدين اولادي يقدون من حولك

فراقك يا امي اتعبني واوجعني كثيراً وهدم حيلي فكنت اتظاهر امام الدكتور الذي احضرته ليفحص نبضاتك وانتي في الرمق الاخير بانني ذو عزيمة لكي لايحس بضعفي ولكن!!!!!
اه اه اه يا اماااااااه عندما اكمل مهمته وشاهدته وهو يغطي وجهك الطاهر فاحسست قبل ان ينطق. امامي بكلمة واحدة بانني لا اقوى على حمل جسدي المتهالك,, فبادرني بنظرة خاطفة وقال استعن بالله وتلك الكلمة كانت تعني بان امك التي احببتها واحبتك قد. حان رحيلها عنك,, وبعد خروج الدكتور رجعت الى جسد امي الذي لم يقوى على مقاومة المرض وبدات بالصراخ دون وعي وانا في دهشه بين التصديق والتكذيب لما هو حاصلاً معي,, لياتي صوت زوجتي لتهدأتي ويعيدني الى رشدي وهي تقول اذا كنت تحب امك فعليك ان تكمل واجبك تجاهها بالترتيب لمراسم وداعها الاخير ودفن جثمانها الطاهر ومواراته الثراء وتجهيز نفسك واستعادة عزيمتك بعدها لإستقبال المعزيين لكي تكمل واجبك وتنعم بالسكينة والطمأنينة ويرتاح جسدها في قبرها والدعاء لها بالرحمة والمغفرة

فاحاولت استعادة نفسي قليلاً واتصلت على كل اقاربها وانا مازلت في حالة التكذيب لما يحدث معي وتوجهت فوراً الى محل لبيع الاكفان فاخذت واحداً وحملته بين ذراعي وانا غير مصدق بان الذي احمله هو الكفن الخاص برحيل امي الغالية

اه اه يا. امااااااه كم كان صعبا علي وانا اتقبل تلك التعازي ممن اتى ليعزيني بك ياغاليتي الحنونه

وما هي الإ سويعات حتى اتى اقاربك ياااااماااه ليلقو عليك نظرتهم الاخيرة,, فعندما ادخلتهم وقبل كشف الغطاء عن وجهك الشريف كنت في حالة ضياع,, ولكن!!! عندما نظرت الى وجهك وشاهدت ذالك النور الذي كان مرسوماً على ملامحك الطاهرة بدات استعيد نفسي وبدات بالدعاء لك بالرحمة والمغفرة وان يسكنك الفردوس الاعلى مع النبيين والصالحين وحسن اؤلئك رفيقا
وبعدها بلحظات تحرك موكب الجنازة الى المقبرة وعند الوصول وانا اشاهد ذالك الجمع الغفير الذي حضر للصلاة عليك والدعاء لك بدات باستعادة انفاسي شيئا فشيئاً فحمدت الله كثيراً على ذالك

وبعدها جاء وقت الوداع الحقيقي الذي لا مفر منه فطلبوا مني النزول الى القبر لانزل جثمانك الطاهر الى مثواك الاخير وخلال تواجدي اسفل القبر لاستقبال. جسدك. عادت الي تلك الافكار التي. تذكرني برحيك وفراقك عنا

اااه يا امااااه وانا اشاهدهم يضعون فوق لحدك الاحجار ومن ثم بدأو يسفون التراب بغية ردم القبر تملكني الخوف والشعور بالوحدة وبدأت اشعر بان رحيلك اصبح يقيناً وان فراقك للابد هو الأمر الذي يجب علينا ان نؤمن به وعندما رايت الحاضرين ينهالون علي بالتعازي ويحثوني على الصبر ادركت حقا وصدقا وعدلاً بانك ذهبتي عنا وفارقتينا الى دار الاخرة دون عودة

فراقك يا امي الحبيبة. كان بالنسبة لي مفاجأة صادمة افقدتني توازني ولكن هذا امر الله فلله ما اعطى ولله ما اخذ ولا نقول الإ مايرضي الله انا لله وانا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم

إنا لله وإنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلابالله

اللَّهمَّ اغفِرْ لأمي وارحَمْها واعفُ عنها وأكرِمْ نزلها وأوسِعْ مُدخَلَها واغسِلْها بالماءِ والثَّلجِ والبَردِ ونقِّها مِن الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس.
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة  وأدخِلْها الجنَّةَ وأعِذْها مِن النَّارِ ومِن عذابِ القبرِ

والحمد لله رب العالمين