اغــتــيـــال ثــــــورة 26

كتب محمد عكق

كان ميلادها في السادس والعشرين من سبتمبر من العام ألف وتسع مائة واثنين وستين ميلادي، هكذا سطره الآباء في شهادة ميلادها، أجهش أهلها بالبكاء فرحةً واستبشاراً بقدومها وبزوغ فجرها من بعد مخاض ليل دامس عسير.

سطعت بنورها الوضاء وعمٌت كل الارجاء وهربت كل الخفافيش خوفاً منها واختبأت في كهوفها المظلمة!.

كانت هي كل الأمل والرجاء لأهلها وذويها، ولكن سرعان ما جُـوبهت بالعقوق والخذلان من أقرب المدّعين بحبها وصيانتها!
(فكلٌ يدٌعي وصلاً بليلى وليلى لاتقر لهم بذاك! )
أُصيبت بالعمى لكثرة ماذرفته من دموع الحزن والأسى وضياع كل شيئ جميل بعد إغتيال فلذة كبدها إبراهيم ذلك الشاب البهي التقي النقي النبراس!

إذ كان هو بصيص الأمل والنور المشرق لعينيها وحامل وحامي مشعل التغيير والتقدم.

عاشت بعده شتاتاً وتعثراً تندب حظها متمنية لو أنها ثكُلت ببركة! من يقتادونها بهمجية دون مراعاة الصراط السوي، كم أهانوها وسفَّهوا أحلامها الوردية الراغبة في العيش الكريم ومستقبل افضل.
عانى ذووها من الجوع والفقر والمرض والتخلف تصحبهم الآلام والذل والخيبة اينما حلوا ورحلوا.

وكان المضحك المبكي الاحتفالات بأعياد ميلادها المزمعة ،،والمزهزهة،، والفضفاضة والتي تتناقض مع واقعها المقرف المخزي المحزن والمبكي والبادي على هيئتها ومحياها وأثوابها المتسخة البالية !

تصاب بالدوار والغثيان حين ينشدونها أناشيد التمجيد البليد (تعيشي ياثورة تعيشي)، تهمس لذاتها: كم أنا تعسة جائعة عطشانة مريضة عاجزة ومستاءة منكم يا أولاد الذين!!

فينبري أشقاهم، ملوحاً بجناحيه، معتلياً منصة الخيبة الكسيحة، مخاطباً ومحيي الحاضرين وممجداً لها وهي الحاضرة المغيبة بعيد ميلادها المزعوم!

مكرراً ماقاله في خطبه الرنانة وماقاله أسلافه مراراً منذ ميلادها!
ومردداً أهدافها الستة البالية البليدة والمحرفة ككتب الديانات الماحية!!

عجبت من هتافات وتصفيق الجماهير المسماة بالغفيرة في عرف الحاكم الحالم !

تبسمت حين ذُكر الهدف الأول وردد صداه المايكروفون:
1- ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﻣﺨﻠﻔﺎﺗﻬﺎ ﻭﺇﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜﻢ ﺟﻤﻬﻮﺭﻱ ﻋﺎﺩﻝ ﻭﺇﺯﺍﻟﺔ ﺍﻟﻔﻮﺍﺭﻕ ﻭﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯﺍﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ.
ثم بدت ضحكتها الساخرة تعلو وتلعن خيبتها باللطم على اصداغها والزم على شفتيها!! حين ذُكر هدفها الثاني:
2- ﺑﻨﺎﺀ ﺟﻴﺶ ﻭﻃﻨﻲ ﻗﻮﻱ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺣﺮﺍﺳﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﻣﻜﺎﺳﺒﻬﺎ.
زاد تصفيق جموع الجماهير العطشى الجائعة حين رددت الميكروفونات بصوت (الزعيم الجايد)الهدف الثالث :
3- ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺇﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﻭﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎً.
تثائبت بسخرية كمن حانت ساعة نومها،
ثم أعلن بعدها الهدف الرابع
4- ﺇﻧﺸﺎﺀ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ ﺗﻌﺎﻭﻧﻲ ﻋﺎﺩﻝ ﻣﺴﺘﻤﺪ ﺃﻧﻈﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺍﻟﺤﻨﻴﻒ.
وبدأت تغط في نومها، وراح الزعيم يعلن بقية الأهداف :
الهدف الخامس
ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ.

السادس ﺇﺣﺘﺮﺍﻡ ﻣﻮﺍﺛﻴﻖ الأﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻤﺴﻚ ﺑﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩ ﺍﻻﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﻧﺤﻴﺎﺯ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، ﻭﺗﺪﻋﻴﻢ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﻴن الامم .
ما إن اكمل الزعيم خطبته الطويلة (الحنانة الرنانة)حتى همس في أذن حاجبه أن خذوا هذه العجوز المشاغبة،قيدوها،كمموها، وجروها جراً وأودعوها الكهف ! لم يشفع لها كبرها أو عظمتها
فاغتيلت في عقدها السادس كاغتيال الأنبياء والصديقين

.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى