خــليــك فــي حــالــك! قصة قصيرة

بقلم..مــحـمـد عــكُــف

رحيم السواح ، احد مساعدي الشيخ عماد الناظر، القارئ و المعالج المعروف لحالات السحر والمس، ترك القراءة وأولع بالبحر هرباً من خيالات وذكرى حبيبته بثينة،،بُثنة،،ذلك الاسم الذي يشعل روحه وكل كيانه ناراً من الشوق واللوعة !.

ينادونه أهل الحارة بقولهم:
،،خليك في حالك،، مقولة يرددها مراراً وتكراراً واشتهر بها حتى طغت على اسمه!

كان أقرب الأصدقاء له (فارس) لولعه بالبحر جمعهم شغفهم وصاروا رفقة فكانا عند ذهابهما للبحر، يضعان شباكهما وخاصتهما بالصيد في ،شوالات، ويحملانها بالتناوب و،يستعفا، معاً، يقفان في الطريق بجانب نقطة الحراسة يلتمسان السيارات العابرة حتى يوافيهما الحظ.

أحب فارس الحديث مع رحيم لمعرفة تحوله المفاجئ، ويسترسل في أسئلته واستفساراته حول تركه القراءة، فكان رحيم دائماً يكرر عبارة،، خليك في حالك،،عندما لايحب الحديث في أي موضوع فيه ألم أوتهييج للذكرى.

ذات مرة ألح فارس ،الحرّيف، على صديقه رحيم وأخذ يسأله بعد أن نصبا الشباك في البحر قبيل الغروب، وعادا لمتكئهما، حيث كانا يمضغان القات ويستمعان لصوت المسجل يصدح بصوت الفنان:

*مابانساك والله ماانساك وكيف انساك وانته معي دايم….دايم وسط قلبي أمانة
دوب القلب يرجف بنجواك ماسك زام بعد الهوى هايم
له قلبي رقص في مكانه……
بكى رحيم بُكاءً شديداً، وأبكى معه فارساً الحرّيف من شدة نشيجه ونحيبه.

يربّت فارس على كتف رحيم ويحضنه مهوناً عليه :
– هون عليك يا أخي.. هكذا دوماً يفعل الحب بالمحبين.
يمسح رحيم دموعه إلا انها تسترسل تباعاً ويقول:
– ظلم شلوا حبيبي وأحرموني إياه ظنوا أني إذا قد غاب باتناساه… ،،خليك في حالك،،

إلتفت فارس يتفحص وجه رحيم، وحانت إلتفاته في نفس اللحظة لرحيم نحو فارس، فالتقت الوجوه معاً..فضحكا معاً ضحكةً حتى استلقيا على ظهريهما على رمال الشاطئ.

فارس مخاطباً رحيم:
-،،ظلم شلو حبيبي؟،،عجيب يا أم كلثوم!! ،،
– رحيم : ،،خليك في حالك،،. قل فريد الأطرش!
وتستمر قهقهتهما…

فارس :
-دعنا ننهض لجمع الحطب أمامنا ليلة بطولها ونحتاج للتدفئة،
ولطهي بعض السمك، وتحضير الشاي لتناوله مع الخبز.

آخر الليل ،أراد فارس أن ينحى بمجرى الحديث في مسار آخر.

يسأل صديقه رحيم:
– لماذا الإنسان يخاف من الجن؟
أجابه رحيم : ،،خليك في حالك،،بالله عليك يافارس لم تجد هذا الحديث إلا الساعة وعلى شاطئ البحر؟!

شارفت الساعة على الواحدة والنصف صباحاً.
أعاد فارس الكرَّة يسأل؟
-هل الجن يخاف من الإنسان؟
أخبرني لماذا الإنسان يخاف من الجن؟
وكان رحيم يزجره عن الحديث في هكذا موضوع وفي هذه الساعات الأولى من الفجر وعلى الشاطئ! بقوله،، خليك في حالك،،.

كالعادة حفروا حفرتين متجاورتين للتدفئة وللنوم بالقرب من بعض.

بطانية فارس كانت قصيرة، تغطي نصفه فقط.
استيقظ فجأة في الثانية والنصف فجراً،إذ به يرى شبح شخصٍ على مقربة منه، جالساً القرفصاء، ولم يكد وجهه يبين.
قال فارس: من هذا؟ رحيم؟ رحيم؟.
لم يجبه غير السكون في ذلك الفضاء، وصوت شخير رحيم مع تقلبه في نومه.

اقشعر بدن فارس، وتمدد مسرعاً، ورفع الغطاء على رأسه، وضغط على اذنيه بكلتا يديه كي لايرى ولايسمع شيئاً، بينما بقيت رجلاه بدون غطاء.

أحس في رجليه ببرودة شديدة جداً، وكأن ريحاً تحثوه بالثلج، ولم يستطع تدفئتهما لقصر البطانية، وصوتاً بالقرب من أذنيه أشبه بالفحيح يخاطبه:
– ،،قم قم باقول لك ليش الإنسان يخاف من الجني،، قم مالك مغطي نفسك؟هيا قم باقول لك الجني يخاف من الإنسان وإلا لا؟،،.

ارتعدت فرائص فارس وأحس باختناق شديد وثقل شديد يجثو على صدره!.
نهض بعدها مذعوراً وأمسك برجل رحيم يوقظه:
– رحيم رحيم، انهض انهض، بسرعة بسرعة، يالله يالله، دعنا نغادر هذا المكان بسرعة بسرعة، لاأريد المكوث ولو للحظة.
– ،،تعرف كم الساعة الآن يافارس؟،، الساعة الثالثة والنصف فجراً،لن نجد سيارات تقف لنا.
– بالله عليك دعنا نغادر، الآن الآن.
– رحيم مخاطباً فارس،، قلت لك خليك في حالك!، خليك في حالك! وخليها حلقة في اذنك خليك في حالك!!
غادرا المكان وكان فارس في حالة يرثى لها وصار خائفاً يترقب، يلتفت يمنةً ويسرةً وللخلف ،ويمسك بتلابيب وأطراف رحيم طوال الطريق نحو الخط العام.

___________________
*أغنية مابانساك احدى روائع الاستاذ الشاعر الفقيد عبدالله هادي سبيت غناء الراحل الفنان فيصل علوي اللحن من التراث اللحجي.

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى