تقرير يفضح انتهاكات مليشيات الحوثي بحق الصحافة والصحفيين
أبين ميديا /محمد الحربي.
تعاني الصحافة المستقلة في اليمن من قمعٍ مستمر يتزايد يومًا بعد يوم، في ظل السيطرة المتنامية لجماعة الحوثيين. مع استمرار الحرب واستقطاب المشهد السياسي، أصبحت حرية الصحافة هدفًا مباشرًا للتضييق السياسي والأمني. الصحفيون الذين يحاولون العمل خارج إطار الدعاية السياسية للجماعة يواجهون اعتقالات، اختطافات، وإخفاءً قسريًا، فيما يتم حجب المواقع الإخبارية المستقلة لمنع نشر أي محتوى يخالف أجندات الحوثيين.
استهداف الصحفيين
من أبرز الممارسات التي يتعرض لها الصحفيون في اليمن هي الاعتقالات التعسفية والاختطافات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة لجماعة الحوثيين. وتأتي هذه الممارسات كجزء من سياسة ممنهجة لتكميم الأفواه وترهيب الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة أو ينتقدون ممارسات الجماعة.
“محمد المياحي”، أحد الصحفيين اليمنيين الذين تعرضوا للاختطاف في صنعاء، هو مثال بارز على هذه الانتهاكات. “محمد المياحي”، لمجرد نشر بوست على صفحته بالفيسبوك يتحدث عن ثورة السادس عشر من سبتمبر، الذي اعتبرته جماعة الحوثي تحريض ضد سلطتهم وخدمة العدو حسب قولهم. ” المياحي”، كان يعمل على تغطية الأوضاع الإنسانية في اليمن، تم اختطافه من قِبل الحوثيين وظل محتجزًا في مكان غير معلوم لفترة طويلة. تعرض لظروف احتجاز قاسية واختفى قسريًا دون محاكمة أو توجيه تهم رسمية.
وفي حادثة مشابهة، اختُطف الصحفي “أحمد صالح الجبلي” في صنعاء على خلفية عمله الصحفي الذي كان ينتقد بعض السياسات الحوثية. مثل غيره من الصحفيين، تم احتجاز الجبلي في ظروف صعبة وأخضع للتحقيقات دون أي إجراءات قانونية تُذكر، مما يعكس حجم القمع الذي يواجهه العاملون في الإعلام في اليمن.
كما شهدت محافظة إب اختطاف الصحفي محمد القادري، الذي اعتُقل بسبب مواقفه للأوضاع الإنسانية المتدهورة في المحافظة. تم احتجاز القادري لعدة أشهر في سجون سرية، ولم يكن لعائلته أو زملائه علم بمصيره حتى تم الإفراج عنه بضغط من منظمات حقوق الإنسان.
في محافظة ذمار، تستمر حالات الاختطاف بشكل متكرر، حيث يُستهدف الصحفيون الذين يحاولون توثيق الانتهاكات. تعرّض العديد من الصحفيين في ذمار للاختطاف والإخفاء القسري، وبعضهم لا يزال مجهول المصير حتى اليوم. هذه الاختطافات تهدف إلى إسكات الصحفيين ومنعهم من كشف الجرائم التي تحدث في مناطق النزاع.
السيطرة على الإعلام: حجب المواقع الإخبارية
إلى جانب اختطاف الصحفيين، تواصل جماعة الحوثيين فرض سيطرتها على المشهد الإعلامي من خلال حجب المواقع الإخبارية المستقلة التي تقدم تغطية محايدة للأحداث. الجماعة، التي تسعى لاحتكار نقل المعلومات، حجبت العديد من المواقع الإخبارية المهمة التي كانت تُعتبر مصادر موثوقة لدى غالبية الشعب لنقل الأخبار من اليمن.
من أبرز المواقع التي تم حجبها مؤخرًا “موقع مركز سوث 24″، وهو مركز بحثي وإخباري متخصص في تقديم تقارير وتحليلات عن الشأن اليمني. حجب هذا الموقع يعكس قلق الحوثيين من وجود أصوات منهاضة تتناول المناطق الخاضعة لسيطرتهم. بجانب ذلك، تم حجب العديد من المواقع الأخرى التي حاولت نشر تقارير عن الفساد والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
التضييق على الصحافة الرقمية: الرقابة والهجمات الإلكترونية
إلى جانب الحجب، تعتمد جماعة الحوثيين أيضًا على مراقبة الصحفيين الذين يستخدمون الإنترنت في عملهم. يتم تتبع نشاطات الصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبة مراسلاتهم الإلكترونية في محاولة للسيطرة على كل المنافذ التي قد تسمح بنشر معلومات لا تتماشى مع الرواية الرسمية للجماعة.
الهجمات الإلكترونية أصبحت أحد أساليب الحوثيين للتضييق على الصحافة المستقلة. يتم استهداف المواقع الإخبارية المستقلة بهجمات إلكترونية بهدف تعطيلها أو اختراق حسابات الصحفيين، ومن ثم استخدام تلك المعلومات لترويعهم. هذه الرقابة الرقمية تجعل العمل الصحفي في اليمن محفوفًا بالمخاطر حتى في الفضاء الإلكتروني.
منع الوصول إلى المعلومات وتقييد الحركة
من الأساليب الأخرى التي تستخدمها جماعة الحوثيين للتضييق على الصحفيين هي منعهم من الوصول إلى المعلومات وتقييد حركتهم في مناطق النزاع. الصحفيون في صنعاء والمناطق المحيطة بها يعانون من قيود صارمة على تحركاتهم، حيث يتم منعهم من الوصول إلى المناطق التي تشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو الاشتباكات المسلحة. الهدف من هذه القيود هو منع الصحفيين من توثيق الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها الجماعة، وبالتالي التحكم في تدفق المعلومات إلى الخارج.
حصار الصحافة المستقلة
في ظل هذه التحديات، يبدو أن حرية الصحافة في اليمن تتعرض لهجوم منظم، تقوده جماعة الحوثيين التي تسعى لإخضاع الإعلام لصالح أجندتها السياسية. الاعتقالات التعسفية، حجب المواقع، والهجمات الإلكترونية هي بعض من الأدوات التي تستخدمها الجماعة لإسكات الصحفيين المستقلين ومنعهم من نقل الحقائق إلى الرأي العام.
على الرغم من هذه الضغوط، لا يزال هناك صحفيون شجعان يواصلون العمل في ظروف قاسية، محاولين نقل معاناة الشعب اليمني إلى العالم. من الضروري أن تتكاتف الجهود المحلية والدولية لحماية هؤلاء الصحفيين وتقديم الدعم لهم، لضمان استمرار الصحافة المستقلة في اليمن كمصدر للحقيقة والمساءلة.
إن الحاجة إلى دعم الصحافة المستقلة في اليمن لم تكن يومًا أكثر إلحاحًا مما هي عليه الآن. يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك المنظمات الحقوقية، تعزيز الدعوات لوقف الانتهاكات ضد الصحفيين، والعمل على إطلاق سراح المعتقلين منهم. يتطلب الأمر أيضًا تحركات فعلية من الدول المعنية لتوفير حماية فعالة للصحفيين الذين يواجهون خطر الاعتقال أو التهديد بسبب عملهم.
وفي الوقت الذي تسعى فيه جماعة الحوثيين لاحتكار المعلومات، يبقى دور الصحفيين المستقلين حيويًا في تعزيز الشفافية ومساءلة السلطات. إن تسليط الضوء على الانتهاكات وفضح الفساد يساهمان في بناء مجتمع أكثر عدالة وحرية. لذلك، فإن الاستثمار في حماية حرية الصحافة ليس فقط مسألة حقوق إنسان، بل هو ضرورة لتحقيق سلام دائم واستقرار في اليمن.
يجب أن يبقى صوت الصحافة المستقلة مرتفعًا، وأن تتكاتف الجهود لتأمين بيئة عمل آمنة للصحفيين. فالصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي مسؤولية أخلاقية تتطلب الشجاعة والالتزام بنقل الحقيقة، حتى في أحلك الظروف.