عن الخصوصية والهوية في الإبداع الغنائي

كتب/أ- محمد ناصر العولقي

أكثر لونين غنائيين جنوبيين زاخرين بثراء بتعيين الحد ورسم الحدود وتأكيد الخصوصية المحلية هما : الأغنية اللحجية والأغنية الحضرمية .
وأكثر رمزين من رموز هذين اللونين الغنائيين ( اللحجي والحضرمي ) اشتملت أغنياتهم على معجم المفردات ذات العلاقة بتعيين الحد ورسم الحدود وتأكيد الخصوصية المحلية هما : الأمير أحمد فضل القمندان في الأغنية اللحجية والسيد حسين أبوبكر المحضار في الأغنية الحضرمية .
تكاد لا تخلو أغنية من أغاني القمندان والمحضار من ذكر أسماء أشخاص أو مناطق أو ألعاب أو مأكولات أو رقصات أو وديان أو حيوانات أو ملابس أو غيرها من الأشياء التي تشير الى المجتمع المحلي سكانا وطبيعة وبيئة وعادات وتقاليد وأمثالا شعبية وأعرافا وغيرها من الملفوظات التي تضع بصمة الهوية الخاصة للأغنية وتوجه المتلقي الى مفاتيح انتماء الأغنية وبيئتها ومجتمعها المحلي وتحدد له تضاريس مجتمع الأغنية .
بالنسبة للقمندان فقد كان يكثر من تعيين الحد ورسم الحدود وتأكيد الخصوصية المحلية لأنه كان مهجوسا بتأسيس مداميك الأغنية اللحجية كلون مميز ومستقل وجديد في ظل طغيان الألوان الوافدة على الذائقة والمزاج المحلي اللحجي والتي دخل القمندان معها في صراع لإزاحتها وإحلال الأغنية اللحجية بدلا منها :
غن يا هادي نشيد أهل الوطن
غن صوت الدان
ما علينا من غناء صنعاء اليمن
غصن من عقيان
وأيضا :
ولا تغنوا لي الجبل يا سارية ( أغنية صنعانية )
وكيا خبر هيه ويا صاحب ميه ( أغنية هندية )
الهاشمي يا اهل القلوب السالية ( أغنية مرحبا بالهاشمي رمز الغناء اللحجي الجديد حينها )
وأيضا :
وغن لي «مرحباً بالهاشمي» فما
«يا ساري البرق» إن غنيتَ يطربني
وأيضا :
رد بالحنا صبح من بدري
لا نبا صنعاني ولا مصري
فهذه الألوان : الصنعاني والهندي والمصري هي التي كانت متسيدة على الذوق والغناء والاستماع في لحج وعدن حينها وكان لابد من مواجهتها لإفساح المجال للأغنية اللحجية لتأخذ موقعها في خارطة الغناء والتسيد على ذوق المستمع والمتلقي ، وقد نجح القمندان في ذلك .
أما السيد حسين المحضار فلم يكن يحتاج الى تأكيد مكانة الأغنية الحضرمية في بيئته ومجتمعه لأنها كانت موجودة فعلا ومتداولة ومشهورة من خلال أساطينها الذين سبقوه وعلى رأسهم حداد بن حسن الكاف ، وأعتقد أن سبب شغفه بتعيين الحد ورسم الحدود للأغنية الحضرمية وإنما تعيين الحد ورسم حدود الأغنية المحضارية التي أراد أن يخقلها في خضم إرث ضخم من الميراث الإبداعي للسابقين له وعلى رأسهم حداد الكاف ، ولعلنا نستدل على ذلك من خلال تكراره التغني بمجده الخاص :
وش با يقولون لك عني الأعادي
كلام ما له أثر
ما قصدهم شي سوى عثرة جوادي
حاشا علي ما عثر
وأيضا :
سل عن نشيدي وفني كل وادي
واتخبر العشب عني والبواسق والسمر والقتاد
وأيضا :
با تشتكي من بين
با تعترف بحسين
كل شي خلص وتم بيني وما بينك
با صبر لمان تتعدل ميازينك
وأيضا :
رضا الهاشمي لا قدك راضي
وحكمك علي يا زين ماضي
وأيضا :
قال بومحضار قدني من قديم الوقت سالي
لا سمعت العود دمع العين فوق الخد سال
وغيرها من الأغنيات كثيرة يتغنى فيها المحضار بنفسه أو يوجه اهتمام المتلقي الى الذات المحضارية .

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى