العادات والتقاليد الخاصة بعيد الفطر وعيد الأضحى في حصن بن عطية

كتب : الدكتور سعودي علي عبيد

من المعروف بأن لدى المسلمين عيدان دينيان وهما: عيد الفطر الذي يأتي بعد الانتهاء من صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى الذي يكون في العاشر من شهر ذي الحجة وهو يأتي بعد استكمال شعيرة الوقوف على جبل عرفات – وهو أهم أركان فريضة الحج – في التاسع من ذي الحجة.
كما اجتمع مسلم، فقد كان لهذان العيدان سماتهما الخاصة، كما مر تطورهما مثل أي ظاهرة اجتماعية أخرى.
وتتمثل أهم سمات العيدين المذكورين في:
1. تتمثل السمة الأولى في التسمية التي كان يطلقها الناس على العيدين المذكورين. فقد اطلقوا على عيد الفطر تسمية “العيد الصغير” وعلى عيد الأضحى تسمية “العيد الكبير”.
2. ومن السمة الأولى أتت سمة أخرى، وهي درجة تقدير الناس لكل عيد من العيدين المذكورين ولذا كانت تقديرهم لعيد الأضحى من تقديرهم لعيد الفطر. وقد تجلت هذه المسألة من خلال استعداد الناس بمختلف أعمارهم وإعدادهم للأطفال بكل عيد على حدة، ومن ثم الكيفية التي يحتفلون بها، أكان فيما يخص عيد الفطر أو عيد الأضحى.
3. فمن حيث عملية الاستعداد فقد كانت فترة استعداد الناس لكلا العيدين مختلفة، فيما يخص عيد الفطر عما هي بالنسبة لعيد الأضحى “بمعنى استعدادهم لعيد الأضحى كانت أكبر وأفسح مما هي في عيد الفطر.
4. ومن حيث عملية الإعداد والتهيئة لكل عيد، فقد كانت أكبر وأهم فيما يخص عيد الأضحى مقارنة بعيد الفطر.
وكان الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى له طعمه الخاص في مدينة الحصن وحتى نهاية الستينات القرن الماضي تقريباً، كان مجتمع الحصن له طقوسه ومراسيمه المتعددة في الاحتفاء بهاتين المناسبتين الدينيتين.
وكان مواطنو الحصن يفتتحون مراسيم يوم العيد – الفطر والأضحى- بتسيير موكب “الزينة” وذلك عندما يبدأ أهالي الحصن وكذا العديد من أهالي المناطق المجاورة بالتوافد والتجمع منذ الصباح الباكر ليوم العيد في ساحة آل احمد علي أمام منزل الحاج منصور عقيل بن احمد عقيل (الله يرحمه)، ثم يبدأ موكب الزينة بالتحرك وباتجاه مسجد احمد بن علوان، والذي كان يتقدم هذا الموكب حاملا” بيرق ابن علوان” هما: جرمل عبدربه وحسين قارش(رحمهما الله)، وكذلك بعض رجال الدين في مدينة الحصن، في مقدمتهم: الحاج محمد عبيد(الجعدي) والحاج سالم علي صالح، ومحمد حيدرة حمودة، والعم سالم قيرم الله يرحمهم جميعا،
وبعد الانتهاء من صلاة العيد وسماع الخطبة، يقوم الناس بمصافحة بعضهم صغاراً وكباراً، ثم يخرج المصلون من المسجد للتجمع خارجاه، ثم يعود موكب الزينة من حيث أنطلق.
وبعد أن يكمل “موكب الزينة” مشوار عودته إلى ساحة منزل منصور عقيل (يرحمه الله)، ينقسم المشاركون في الموكب إلى ثلاث فرق: الأولى تتجه إلى جبل المنقاش لمعاودة حاكم البلاد السلطان عيدروس بن محسن العفيفي (الله يرحمه)” الثانية تتجه إلى “الحيد الأبيض” – الجبل الأبيض – لمعاودة نائب السلطنة الشيخ حيدرة منصور العطوي (يرحمه الله)، أما الفرقة الثالثة تتجه لمعاودة الشيخين علي عاطف سعيد الكلدي (يرحمه الله) والشيخ زيد بن علي حيدرة العطوي(الله يرحمه) وإخوانه. وهناك مجموعة أخرى تتجه إلى مبرز الحاج محمد عبيد الجعدي لإقامة حضرة العيد، ويطلق عليها مولد النبي، وتقدم فيها التمر أو الحلوى والقهوة المصنوعة من البن اليافعي، وتقرأ فيها التراتيل الدينية.
5. من ناحية عملية الإعداد والتهيئة لكل عيد، فقد كانت أكبر وأهم فيما يخص عيد الأضحى مقارنة بعيد الفطر. ولذا فإن الإعداد والتهيئة لكل عيد من العيدين المذكورين كانت مختلفة، أكان من ناحية المتطلبات أو عدد الأيام الخاصة بالاحتفال. إذ كانت الأيام المخصصة للاحتفال بعيد الأضحى أكثر مما هو عليه في عيد الفطر، كما أن متطلبات عيد الأضحى هي الأخرى أكثر تنوع. وقد انعكس ذلك على التكاليف النقدية المنفقة على متطلبات عيد الأضحى، فقد كانت أعلى بكثير من التكاليف المنفقة في عيد الفطر.
وأتذكر أن أيام الاحتفال بعيد الفطر لم تتجاوز الثلاثة أيام كحد اقصى بينما كان الاحتفال بعيد الأضحى يمتد إلى سبعة أيام كحد أدنى.
ومن ناحية متطلبات كل عيد على حدة، فهي الأخرى مختلفة، وذلك بحسب علاقتها بهذا العيد أو ذاك، وأيضاً بحسب درجة أهمية كل عيد من العيدين المذكورين بالنسبة لإفراد المجتمع المحتفى، والمقصود بذلك مجتمع الحصن وما جاورها من مناطق في تلك الفترة الزمنية المبحوثة.
وبسبب ذلك التمايز بين العيدين، فقد كانت متطلبات عيد الأضحى أكبر وأفضل مقارنة عما هي بالنسبة لعيد الفطر.
ويمكننا رصد أهم متطلبات العيدين المذكورين من خلال المقارنة التالية:
1. مما لا شك فيه، أن فرحة العيد لا يمكن أن تستكمل إلا بارتداء الملابس الجديدة. وهذا الموضوع يخص الكبار والصغار، وكذا الجنسين الذكور والإناث. وفي كل الأحوال، فأن توفير وشراء ملابس العيد، له علاقة بالحالة المادية للأسرة من ناحية عدد أفرادها. فالأسر الميسورة لا بد أن تختار لأفرادها الملابس ذات النوعية الممتازة، كما أنها قد لا تكتفي ببدلة واحدة للفرد الواحد، بل تعمل على شراء أكثر من بدلة. وهذه الحالة خاصة بالأطفال والنساء بشكل أساسي.
2. ومن ناحية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فأن الناس نادراً ما كانوا يقومون بتقديم القرابين(الذبائح) في عيد الفطر، باستثناء أولئك الذين لديهم قدرة مادية على ذلك. وحتى هذه الذبائح قد لا تأخذ منحنى ديني، ولكنها قد تكون مرتبطة بالمستوى المعيشي الجيد لهؤلاء الأفراد من حيث حاجتهم إلى اللحوم كمادة غذائية. وبالعكس من ذلك تماماً، فإن اهتمام الناس بتقديم القرابين لله تعالى في عيد الأضحى تشكل حالة الزامبية للغالبية، إن لم يكن بالنسبة لعامة الناس. وكانت الغالبية من الناس والأسر تقوم بذبح ذبيحتين: الأولى في يوم التاسع من ذي الحجه، وهو اليوم الذي يقف فيه حجيج بيت الله الحرام على جبل عرفات (عرفه)، فهو الركن الأساسي من شعار الحج، أما الذبيحة الأخرى فتذبح في يوم العاشر من ذي الحجة أي بعد الانتهاء من صلاة العيد مباشرة. وهناك من يقوم بذبح أكثر من ذبيحتين، وهذه الحالة خاصة بأولئك الأشخاص المقتدرين، أو الذين لديهم مواشي كثيرة يقومون بتربيتها في منازلهم. وبشكل عام فقد كان الناس حريصين على إعداد ذبائح عيد الأضحى في منازلهم بدء من انتهاء موسم العيد الماضي وحتى يهل موعد عيد الأضحى الآخر. وكانت العادة أن الأسر كانت تقوم بطبخ كل أو جزء من ذبائحها، وتقدمه كوليمة لعدد من الجيران، الذين يمرون على تلك المنازل التي تتجه في تقديم تلك الولائم. علماً بأن هذه العادة أو التقليد قد انتهت تماماً ـ تقريباً- ولم يعد لها وجود، وإن وجدت فإنها سارية فقط بين أفراد الأسر والعائلات التي توجد بينها علاقات قرابة من الدرجة الأولى.
أما العادة أو التقليد، الذي كان سائداً أو متبعاً في عيد الفطر، فهو أن الأسر كانت تقدم وجبة بعد انقضاء صلاة الفطر وكانت تلك مكونة من الأرز، الذي يضاف إليه كمية بسيطة من السكر والزيت المستخرج من بذرة السمسم والبعض الآخر يقدم وجبة “العصيد” المصنوعة من دقيق القمح أو الذرة البيضاء ويضاف إليها كمية من السكر وزيت السمسم أو السمن المستخرج من حليب البقر، ويمكن أن يستعاض بالعسل بدلاً عن الزيت والسمن.
والمعاودة، هي عادة اجتماعية، تعني زيارة الناس لبعضهم البعض مباشرة من بعد عودة الناس من صلاة العيدين، وفي هذه الزيارات يتم تبادل التحايا والتهاني بالعيد، واطلاق التمنيات بدوام الخير الوفير والصحة وطول العمر وغيرها من التحايا والتبريكات والتي يعبر عنها الناس تجاه بعضهم البعض في مثل هذه المناسباًت. وكانت مناسبتي العيدين المذكورين، فرصة ثمينة للكثيرين للتسامح والمصالحة وسياق تلك المشاكل التي باعدت بينهم في الفترة الزمنية الفاصلة بين العيدين السابقين والعيدين اللاحقين.
ومن المؤسف أن كل هذه العادات، لم تعد موجودة، ومنها تلك الولائم التي كانت إحدى الوسائل الهامة التي كان الكثيرون من المعوزين يحصلون عليها، وكانت عوضاً ودعما لهم. كما تكاد تلك الزيارات (والمعاودة) قد انعدمت تماماً إلا فيما نذر.
ومن العادات والتقاليد التي كانت متبعة في تلك الفترة المبحوثة _ وخاصة في عيد الأضحى المبارك _ هو حرص الكبار والصغار على غمس أرجلهم وأياديهم في دم الذبائح، ومن ثم طبعها ونسخها على جدران منازلهم من الداخل، ومعاودة هذه العملية في العيد التالي. ويبدو أن الهدف من هذه العملية، هو أن يتيقن كل من قام بهذه العملية أنه ما زال حيا. وهذه من العادات الفرعونية تقريبا.
______

ملاحظة:
في إعداد هذا الموضوع، تمت الاستفادة من دراسة غير منشورة أعدها الأخ محسن سعيد عوض(الله يرحمه) وخاصة فيما يخص الجزئية الخاصة بموضوع حمل البيرق والمولد قديما في الحصن.

30 رمضان 1445 الموافق 9 إبريل 2024

مشــــاركـــة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى