60 عام منذُ تأسيسه.. تلفزيون عدن صرح إعلامي وتاريخ عريق.. هل يقابل بالإغلاق..؟
أبين ميديا /تقرير /جمال محمد صالح بيضاني
يصادف يوم غد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٢٤م الذكرى الستون لتأسيس تلفزيون عدن ..ثالث تلفزيون بالوطن العربي والاول بدول الجزيرة والخليج حيث بدأ البت بالابيض والاسود وغطى العاصمة عدن والمناطق المجاورة كبداية ولعدة ساعات. واستقبل المواطنون هذا الحدث الفريد بفرح كبير واصبح حديث الناس وزينت اسقف المنازل بالهوائيات اللاقطة لبث التلفزيون .
واحتوى تلفزيون عدن عند بدايته على ثلاثة استوديوهات يبث منها البرامج مباشرة على الهواء كالبرامج الثقافية والاجتماعية والعلمية المرتبطة بالشباب والطلبة والأطفال وبقية شرائح المجتمع بالإضافة إلى الدراما المحلية والمسلسلات والافلام والاغاني المحلية والعربية لكبار الفنانين مثل محمد مرشد ناجي وأحمد قاسم ومحمد سعد عبدالله وخليل محمد خليل وعبد زيدي وبامدهف والعطروش والعزاني ووبن شامخ واخرين ومن الفنانين العرب محمد عبدالوهاب وام كلثوم وعبدالحليم حافظ فريد الاطرش وفيروز وشادية وهدى سلطان وصباح ومحرم فؤاد ونجاح سلام وفائزة احمد .. وأصبح لدى المشاهدين ذكريات وانطباعات جميلة مع بساطة ذاك الزمان الموسوم بطيبة واخلاق وتراحم الناس فيما بينهم .. كما قدم تلفزيون عدن فنا جديدا موجها للاطفال وهو مسرح العرائس (لدمى ) وكانت مخرجة هذا البرنامج المخرجة أمينة زكريا .. وكان من بين المسلسلات المشهورة التي جذبت المشاهدين ..هو مسلسل الهارب الناطق باللغة الإنجليزية وكان يقوم بالترجمة الفورية على الهواء مباشرة المديع المتألق صاحب المواهب المتعددة عبد الرحمن باجنيد .. الذي استطاع أن يجذب المشاهدين بطريقة ترجمته البسيطة والمفهومة والراقية بكل حرفية وإتقان لمختلف المشاهدين والتي كانت تحاكي جميع شخصيات المسلسل .
واهتم تلفزيون عدن واعطى مساحة من إرساله لتقديم البرامج الرياضية وكان الاخ الصحفي الرياضي جعفر مرشد اول من قدم البرنامج الرياضي على شاشة تلفزيون عدن بالإضافة إلى مباريات الدوري الإنكليزي والمصارعة الحرة ..
كانت إدارة تلفزيون عدن عند احتياجها لبعض التخصصات أو الوظائف هناك لجنة مشهود لها بالكفاءة والثقافة تقوم بإجراء الاختبارات للمتقدمين في مجال اللغة العربية والإلقاء والاعداد والثقافة العامة الأمر الذي جعل تلفزيون عدن يضم عددا من ذوي الكفاءات والموهبة والثقافة وانعكس ذلك في تقديم برامج مفيدة في مختلف المجالات والمواضيع التي كانت تخاطب المشاهدين .. وحقيقة ان تلفزيون عدن مر بثلاث مراحل يمكن ترتيبها على النحو التالي :
/ المرحلة الأولى فكانت بدايتها منذ التأسيس فى الحادي عشر من سبتمبر عام ١٩٦٤م وحتى خروج اخر جندي بريطاني من عدن في الثلاثين من نوفمبر عام ١٩٦٧م وقد أوضحناها سلفا ونستخلص منها الآتي
١) أن معظم كوادر تلفزيون عدن كانوا من ذوي الكفاءات ويتميزون بالموهبة والإبداع والثقافة والعامة ومنهم من كان يمتلك مواهب في تخصصات مختلفة .
أما المرحلة الثانية فكانت من يوم استقلال الجنوب في الثلاثين من نوفمبر عام ١٩٦٧م وحتى مايو عام ١٩٩٠م اي فترة قيام النظام الجمهوري على كل ارض الجنوب من المهرة حتى باب المندب .. وقد استمر الارسال بالابيض والاسود لعدة سنوات وعملت الحكومة جاهدة على إحداث نقلة نوعية في مجال توسيع البث التلفزيوني إلى مختلف محافظات الجمهورية وإدخال أجهزة تشيكية متطورة ومنها جهاز الفيديو الذي ساعد كثيرا على تسجيل مختلف البرامج المحلية بالإضافة إلى اهتمامها بتدريب وتطوير الكادر في مختلف التخصصات من خلال البروتوكولات والاتفاقات التي أبرمتها مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة ..كل ذلك ساهم وساعد على تقديم البرامج النوعية والهادفة والمرتبطة بمختلف شرائح المجتمع .. بعد ذلك انتقل تلفزيون عدن إلى مرحلة بث التلفزيون الملون في عام ١٩٨١م وهذا انعكس كثيرا في بلورة ونقل الكثير من الفعاليات والمناسبات المحلية والعديد من المسرحيات ونقل المباريات المحلية على الهواء مباشرة إضافة إلى البرامج المحلية المختلفة.
وبرز في تلفزيون عدن عدد من الكوادر المتمرسة الذين أصبحوا واجهة تلفزيون عدن وكسبوا ثقة ومحبة المشاهدين وكان الطموح عندهم بتجاوز محيطنا المحلي منهم من التحق بإذاعة هولندا مثل المذيع المتألق متعدد المواهب عبدالرحمن باجنيد وكذا المذيع بدر الحماطي ومنهم من التحق بتلفزيون وإذاعة دولة الإمارات العربية المتحدة كالمذيع الرائع جميل مهدي وقارئ النشرات باللغة الانكليزية الفرنسية وكذا المذيع فيصل باعباد والمذيع محمد شيخ والمذيع رعد امان والمذيعة ليلى كليب .
أما الجانب الاخباري بتلفزيون عدن فقد بدأ بالاخبار المحلية المصورة مقاس ٢٦ مل والاخبار العربية والعالمية عن طريق افلام مقاس ١٦ مل التي كانت ترسل من وكالة الفيزنيوز البريطانية مع نصوصها باللغة الإنجليزية ويتم منتجتها وترجمتها وإعادة صياغتها وبما يتوافق والسياسة الخبرية بعد ذلك تحولت هذه الأفلام إلى افلام على الكاستات وتسمي اليوماتيك ( ثلاثة أرباع البوصة ) لتواكب الأجهزة المتطورة واستمرت لسنوات ثم انتقل الإعلام وخاصة في مجال البث التلفزيوني الى مرحلة جديدة من التطور التقني بدخول استخدام الأقمار الاصطناعية والاستفادة منها في نقل الأحداث مباشرة وفي مجال الاخبار حيث انتقلنا إلى استلام الحقائب الإخبارية بدلا عن الكاستات مرتين في اليوم بواسطة هيئة الاتصالات بالتواهي .. واستطاع المحررون والمصورين من تغطية العديد من الفعاليات ونشاطات المسؤولين ومختلف المرافق والمؤسسات وكذا مرافقة المسؤولين أثناء زياراتهم للدول العربية والأجنبية ومشاركاتهم في المؤتمرات والاجتماعات الخارجية .
وعلى الرغم من الجهود التي بدأت من قبل الحكومة في تلك الفترة والكوادر الإبداعية بتلفزيون عدن إلا أن عدد من السلبيات قد سهدتها الفترة نفسها ويمكن نوجزها بالاتي :
١/ تغليب الكم على الكيف في عملية التوظيف
٢/ عدم الاستفادة من الكوادر الإبداعية من ذوي الثقافة والعلم اللذين التحقوا بالتلفزيون أثناء التأسيس
أما المرحلة الثالثة والتي بدأت منذ عام ١٩٩٠م وحتى الحرب الأخيرة فكانت مرحلة قاسية على الجميع وتركت في نفوسنا انطباعات غير طيبة وغير مرضية كنا نتطلع إلى مزيد من الابداع والتطور والمساهمة مع بقية الوسائل الإعلامية المحلية على خلق رأي عام يخدم طبيعة المرحلة آنذاك ..إلا أننا وجدنا اصرارا متعنتا وغير مسؤول تمثل بمضايقة كوادر تلفزيون عدن من قبل قيادة الموسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بصنعاء والتي كانت تسعى بكل الطرق والوسائل إلى جعل تلفزيون عدن تابع لتلفزيون صنعاء ويكون مهمة تلفزيون عدن الارتباط المباشر مع تلفزيون صنعاء فقط وتجميد الكوادر بتلفزيون عدن .كل هذه الأساليب رافقتها تغيير اسم القناة إلى تسميات متعددة مثل الثانية وقناة ٢٢ مايو وهذه التسميات غير مألوفة لدينا قبلناها نتيجة انتهاج نظام صنعاء لسياسة الضم والالحاق التي كان يمارسها ضد الجنوب.
ومن الممارسات الخاطئة التي كان نظام صنعاء يمارسها تجاه تلفزيون عدن عبر المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بصنعاء اليمنية هي عدم تزويدنا بقطع الغيار والأجهزة المطلوبة ووقف ارسال الحقائب الإخبارية إلى تلفزيون عدن والمسلسلات وكذا المواد البرامجية الآخرى بالإضافة إلى عدم مساوة ميزانية تلفزيون عدن مع ميزانية تلفزيون صنعاء .
ونستخلص من هذه المرحلة التي كانت ضمن تطبيق سياسة الضم والالحاق نتيجة العقلية المتخلفة لنظام صنعاء الذي لم يكن ينشد برقي الشعب ومؤسس نزلات الدولة لتواكب التطور بدول الجوار بل بالاستيلاء على أرض الجنوب وثرواته .. ومن هذه الاستنتاجات :
١/ احالة بعض الكوادر القادرة على العطاء إلى التقاعد لأسباب حزبية
٢/ توظيف أبناء الشمال بتلفزيون عدن على حساب أبناء عدن خاصة والجنوب عامة
٣/ تطويع معظم موارد المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون لصالح تلفزيون صنعاء
٤/ اقتصار تدريب وتأهيل كوادر تلفزيون عدن في سوريا فقط أما كوادر تلفزيون صنعاء فيتم إرسالهم إلى مختلف دول العالم ومنها الأوربية .
٥/ عدم السماح للكادر الجنوبي بتحمل مسؤولية الجانب المالي.
٦/ سرقة ارشيف تلفزيون عدن بمساعدة الضعفاء من يولوهم مسؤولية القناة ومن اللذين انتسبوا إلى المؤتمر الشعبي العام حتى وصلت بهم الوقاحة إلى سرقة وثيقة اعلان استقلال الجنوب من مكتبة التلفزيون .
بعد كل ذلك واصل تلفزيون عدن دوره خلال الحرب واستطاع إبراز دور المقاومة الجنوبية الاسطوري في التصدي للقوات الشمالية وتحقيق النصر المؤزر بتحرير عدن وبقية محافظات الجنوب وتوصيل القضية الجنوبية إلى العالم ..ولكن المؤامرة ما زالت مستمرة على تلفزيون عدن التواهي بإبقائه مغلقا صامتا لسنوات اكل الصدأ الأجهزة وخربت نتيجة الاغلاق والغبار المتراكم على جدران الغرف و الاستوديوهات .. والشئ المؤسف أن كوادر تلفزيون عدن من ذوي الخبرة والإبداع لم يستفد منهم ليساهموا ويشاركوا زملاؤهم الآخرين في تشكيل رأي عام لم لمواجهة الإعلام المعادي للقضية الجنوبية واستعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية والأرض والإنسان بالجنوب .
موظفوا وموظفات تلفزيون عدن يأملون باستعادة بث التلفزيون إلى المبنى الرسمي بالتواهي في اقرب وقت ممكن ولكن ليست بهده الأجهزة الحالية التي أصبحت غير صالحة للاستخدام بل من خلال تركيب أجهزة حديثة كي تواكب التطور المتسارع باجهزة القنوات في مختلف دول العالم .
واخيرا يقع على عاتق الباحثين والدارسين والأكاديميين مسؤولية كبيرة للبحث والدراسة العميقة المجردة لاطلاع وتعريف المواطنين بمختلف شرائحهم والأجيال القادمة بتاريخ تلفزيون عدن سلبا وايجابا .
جمال محمد صالح بيضاني
نائب مدير عام الاخبار بقناة عدن الفضائية (التواهي ).